لم أكن أرغب في الرد على التدوينات التي يوقعها الوزير محمد يحظيه ولد أبريد الليل لأن الردّ عليها خروج على الضوابط والأعراف، ولأن الحديث إلى أمثاله على وجه المشاحنة مأخذ!
يتّفق جل الموريتانيين على أن الرجل بلغ في فن السياسة درجة الحكيم العرّاف، فقد وُفّق في قراءته لكثير من الفترات وتحققت توقعاته حول نهاية بعض فترات الحكم.
أجاب الأستاذ على سؤاله العميق؛ إلى أين نسير؟ وغيره من الأسئلة التي ردّ عليها برؤية العارف ونظرة المجرب وعقل المثقف، وأحسنت تلك التأملات العميقة إلى الرجل ونال بفضلها ثقة المثقفين وإعجاب المتأملين واستشاره أهل القرار لما فاض به ذهنه من نباهة، وأصبح اسمه مادة يوصى كل قارئ بالاطلاع على الآراء التي توقع به.
هذه الأشياء جعلتني اقتنع بفكرة عدم الرد على صاحب هذه الصفات احتراما لقانون التفاوت الذي يُعد ناموسا طبيعيا يحكم الكون بأسره، فالناس متفاوتون في أرزاقهم وأموالهم وأولادهم تفاوت مداركهم، لأن هذا التفاوت لقطة حية من ألغاز الحياة وابتلاءات الإيمان!
الحقيقة أني لم أعد أطيق ذرعا بتحمل السّباب الذي يظهر بين الفينة والأخرى موقعا باسم الوزير إلى الرئيس والمرشح اللذين تدعمهما أغلبية شكلت بالنسبة لي وجهة وخيارا...
تحدث الرجل عن محاولات الرئيس إعادة إنتاج نفسه بأسلوب ساخر وغارق في التهويل، ووصف مرشحا تنادت إليه أمة وأجمع عليه شعب أنه مجرد "قناع"!
أعتقد أن السكوت على هذه الهفوات المتتالية هو إذعان لرؤية يحسبها بعضهم ثاقبة ونراها بحاجة إلى نظّارات بديلة تعكس الواقع وتجحد الرغبة.
إن إعادة إنتاج النفس الذي تحدث عنه أبريد الليل في تعريضه برئيس الجمهورية يحتاج إلى متخصصين في أنظمة التكاثر والقوانين الجينية، وهو بالدلالة السياسية غاية مهمة، فكل الأنظمة الجمهورية في أمريكا إعادة تكرار، وكل الأنظمة اليمينية في بريطانيا إعادة تكرار، وهو حال الأنظمة التي عرفتها فرنسا! وأيا كانت درجة الاستغباء فإن محمد يحظيه يدرك أكثر من غيره أن دافع غالبية الداعمين لمشروع غزواني هو حرصهم على استمرارية النهج، وأن غزواني وعزير قررا تبني هذا المنهج منذ قررا وضع حد لنظامين سابقين، ولكنه يريد أن يسدل أقنعة على أشياء لا تحجبها الستائر.
لن أجول مع محمد يحظيه في دعوته بضرورة ولوج صف مرشحه التي اختتم بها تدوينته، لأنني أعتبرها صرخة من صرخات "سيمفونية" أنا معكم أنا ضدكم التي استهوت الرجل وأخذت جزءا كبيرا من صفحات دفتر يومياته.
الموريتانيين يؤمنون مستقبلهم اليوم مثمنين ما أنجز في هذه العشرية وآملين في زرع بذور أخرى.
محمد ولد سيدي عبد الله