تغريني الكتابة عن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، بعد حوالي ثمانية أشهر من قيادة الأستاذ سيدي محمد ولد محم له، ولأن الأحزاب في بلدنا تشبه دائما ملامح قادتها، يبدو لي الحزب وكأنه يستعيد شبابه وحيويته، بعد سن اليأس التي عاشها في وقت مبكر من عمره القصير المثقل بالتراكمات التي ورثتها نخبنا السياسية على مر العقود الماضية ، واليوم نقف متأملين لهذه التجربة بكثافتها ودهشتها، رغم أنها لم تتجاوز عدة أشهر فقط ..
في الحقيقة، إن التحدي الرئيسي الذي يواجه أحزابنا السياسية هو تعثر المسار السياسي والتعقيدات التي تحكم التحول الديمقراطي والحراك الحقوقي الذي يرافقه، وارتباطه بمعطيات داخلية وخارجية، وكذا المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تفرض نفسها بإلحاح..
قلة من قادتنا السياسيين هم من يدركون هذه الحقائق على بداهتها، وقد جعلتنا هذه الوضعية أمام نخب تكره الديمقراطية خوفا من فقدان مكانتها داخل السلطة والمجتمع التقليدي ، خاصة إذا كانت تلك النخب تمتهن العمل السياسي وتجعل منه بقرة حلوبا يجب ألا يتوقف إدرارها للحليب.
نتيجة لهذا الفهم الخاطئ للممارسة السياسية، أضحت الأحزاب الحاكمة مجرد أبواق تشحن بطاريتها أمام المناسبات السياسية وتنتهي مع نهاية كل استحقاق انتخابي ، غير أن هذا السلوك البدائي تم وضع حد له خلال هذه الأشهر القليلة ، على الرغم من وجود بعض القوى الناعمة التي تعمل بكل قوة من أجل إفشال هذا المسار النموذجي، الذي يضع القواعد السليمة لبناء حزب قوي وفاعل في المشهد السياسي .
لم أطلق هذه الأحكام لعلاقة تربطني بولد محم أو تقربا إليه بل عن وعي و إدراك ، بعد فترة من التقييم والمراقبة للمسار الجديد الذي لم يعد ينكر نتائجه إلا مكابر أو صاحب موقف شخصي من النجاح الذي يحققه الرجل .
هناك من الرجال من يعد نفسه منذ البداية ليكون أكثر من قائد ..
في خطاب التنصيب قال الرئيس ولد محم "إنه ليس من المقبول أن تكون بلادنا تمتلك كل هذه المقدرات والثروات الطبيعة وشعبنا يطحنه الفقر والتخلف" ، وهي عبارة جديدة على قاموس قادة الأحزاب الحاكمة الذين في العادة لا يتأملون في خطاباتهم وقليلون منهم من يتقنون وضع الفواصل والنقاط في كلامهم ، بل أجزم أنهم خلال حفل التنصيب يكونوا مشغولين بالتفكير في حجم الامتيازات والحظوة التي سيحصلون عليها عن طريق منصبهم الجديد ..!
شخصيا لم أعرف من سبقوا ولد محم لرئاسة حزب الاتحاد إلا من خلال صورهم عبر وسائل الإعلام ـ ربما لسوء طالعي ـ لكني أعرف النتائج السياسية التي حققوها والوضعية التي كان الحزب يعيشها في تلك الفترة .
لقد أمسك الحزب فعليا بزمام المبادرة وأدخل أدبيات جديد في مفهوم العمل السياسي، من خلال الخدمات والعمل التطوعي والتماشي مع سياسة الرئيس المؤسس رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، ورؤيته التقدمية، ويكفي حزب الاتحاد اليوم فخرا أن يعلق على صدره شهادات ألف وأربعة مائة طالب تستعد لخوض مسابقة الباكلوريا يتم تدريسها تطوعيا من قبل مناضلي ومناضلات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ، حقا إنه وسام شرف ووجه جديد للعمل السياسي جدير بالتقدير والاحترام ، ولم تتوقف جهود الحزب خلال هذه الفترة القليلة عند هذا الحد، بل شملت الجهود مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية كما تم بحث كل القضايا الاجتماعية بكل وطنية وتجرد.
إن ميزة رجال السياسة الناجحين إدراكهم لمقام التاريخ وسطوته، وأن المناصب تغير يد صاحبها وأحيانا تستبدلها بيد خصمه ، ولو أدرك البعض هذه الحقيقة لتغيرت الأمور في بلدنا بشكل جذري.
وأعتقد أن تلك القوى الناعمة التي تكره تحرك الأمور نحو الأفضل في البلد لم تستطع حتى ألان إيجاد مكان ضمن الطبقة السياسية ويصدق عليها كلام السياسي المخضرم والكاتب الأنيق محمد يحظيه ولد ابريد الليل حين يقول: "إذا لم يكن للطبقة السياسية مدونة مهنية أو مدونة شرف تفرض حدا أدني من المدنية والكياسة والالتزام ،يمكن من تنمية المهارات السياسية للداخلين الجدد وتحافظ على التقليد المستوحى من التجربة والعقل السليم ، فإن السياسة تصبح ميدانا للتناوش البائس وتصبح الدولة في ضوء ذلك نوعا من برج بابل حيث يتم الاحتكاك والتنابز بالبذاءات ".
وفي ذات المنحى يقول "محمد عابد الجابري" ما مضمونه، إن إرادة الديمقراطية تتوقف على الوعي بضرورتها في تحريك وتيرة الحداثة السياسية مما يتيح إنتاج طبقة سياسية حقيقية لا مجرد واجهات شكلية غير قادرة على الاستمرار، وبالتوازي مع ذلك يتم بناء ديمقراطية الدولة المتمثلة في فصل السلطات وبناء مؤسسات قادرة على تلبية تطلعات المواطنين بشكل يعزز التنمية ويضمن الاستقرار .
وعلى النخب السياسية أن تدرك هذه المعطيات وتعمل على تحقيقها حتى نتمكن من السير بخطى متسارعة بدل حركة السلحفاة التي نسير بها منذ عقود من الزمن.