دخل رجل في العقد السادس من العمر , وقورٌ ,طلق المحيّا ، تعلو وجهه المهابة , دخل أحد محلات الذهب والمجوهرات في سوق المجوهرات المعروف ، وطلب من صاحب المحل ـ وهو صائغ مشهور في السوق ـ أن يضع له حجرا نفيسا على خاتمه، فقدم له الصائغ كأسا من الشاي وبدأ العمل في الخاتم ,بينما انشغل الزبون بالحديث في شتى المواضيع بأسلوب شيق وأحيانا يعرج على المواعظ والحكم والأمثال. وبعد قليل ,دخلت امرأة على عجلة من أمرها تريد من الصائغ إصلاح سلسلة ذهبية مكسورة فقال لها : انتظري قليلا حتى أنتهي من خاتم هذا الرجل الذي جاء قبلك، لكن المرأة نظرت إلى الصائغ في دهشة وقالت أي رجل يا مجنون , وأنت تجلس لوحدك في المحل ,ثم خرجت من المحل. استأنف الصائغ عمله إلى أن دخل عليه رجل يطلب منه تقييم أساور ذهبية كان يحملها، فطلب منه أن ينتظر قليلا إلى أن يفرغ من الخاتم الذي طلبه الزبون الجالس إلى جواره، فصاح الرجل: عمّ تتحدث فأنا لا أرى في المحل سواك! فسأله الصائغ: ألا ترى الرجل الجالس أمامي فقال : كلا ,ثم حوقل وبسمل، وخرج. هنا أحس صاحب المحل بالفزع ونظر إلى الرجل الوقور الجالس وتساءل: ماذا يعني كل هذا؟ فرد الرجل: تلك فضيلة تحسب لك ,والله أعلم، ثم أردف قائلا: تريث قليلا ريثما يأتيك اليقين. . . وبعد قليل دخل المحل رجل وزوجته وقالا إنهما يرغبان في فحص خاتم معروض في واجهة المحل فطلب منهما الصائغ أن يمهلاه بضع دقائق حتى يسلم الزبون الجالس معه خاتمه، فاحتد الرجل وقال: أي رجل ونحن لا نرى غيرك في المحل والتفت إلى زوجته وقال لها: يبدو أن هذا الصائغ لا يرغب في بيع الخاتم لنا لنذهب إلى محل آخر! هنا انتابت الصائغ حالة من الهلع والخوف الشديد، ونظر في ضراعة إلى الرجل الجالس قبالته، وسأله: قل لي بربك ماذا يحدث! هنا اعتدل الزبون في جلسته وحلق ببصره بعيدا وقال في صوت أقرب إلى الهمس: أنا من عباد الله الصالحين ولا يراني إلا من حمل صفاتي! هنا حلت النشوة محل الفزع في قلب الصائغ وكاد أن يحلق من فرط السعادة عندما أكد له الرجل أنه أي الصائغ من أهل الحظوة، وقال له إنه سيحقق له أي أمنية، ولأن الصائغ كان يملك مالا ومجوهرات كثيرة ,رد على الرجل بقوله : لا أريد سوى الظفر بالجنة فابتسم الرجل وقدم للصائغ منديلا أبيض وقال له: ضعه على أنفك واستنشق بقوة ففي المنديل عطر الجنة، ففعل الصائغ ذلك وأحس بالنشوة تسري في أوصاله في نعومة ولطف، وبعد دقائق معدودة تلفت حوله فلم يجد الرجل ولم يجد المجوهرات التي كانت معروضة داخل المحل وأدرك بعد أن فات عليه الأوان أن عطر الجنة المزعوم كان مخدرا، وأن الزبائن الذين أتوه ثم أنكروا رؤية الزبون الجالس أمامه كانوا أعضاء في عصابة كبيرة , وقد انطلت عليه حيلهم وخداعهم بسهولة. هذا وتقدر قيمة المسروقات بعشرات الملايين.