يروي احد الشقيقين قصته مع أخيه فيقول :
كنت أنا وأخي نكره بعضنا , بل كنا أعداء منذ الصغر , وكبر معنا الكره والعداوة حتى بعد أن أصبحنا رجالا , ولست أعرف بالضبط سر هذه العداوة التي نشأت معنا لكنها حقيقة واقعة.
كانت الوالدة رحمها الله تقول لنا دائما : يا أولادي انتم اخوان أشقاء ليس لكم "الا بعض" ومهما كانت علاقتكم جيدة بالآخرين فسيظلون غرباء , وسيشمتون فيكم ويحاولون الاستفراد بكل واحد منكم.
أما الوالد ـ رحمه الله ـ فقد كان دائما يغضب منا بسبب الكره والجفاء الذي يلاحظه بيننا , وكان دائما يقول للوالدة : الله يهديهم , ومهما طال الزمن فسيأتي اليوم الذي يعرفون فيه
قيمة بعضهم و يتذكرون كلامنا لهم بأن الاخ لا يمكن تعويضه ,
و لو تألّم الواحد منهم أو أصابه مكروه سيحتاج حتما لأخيه لا إلى صديقه.
ويضيف الاخ قائلا :
ولما تزوجت انا و اخي زادت عداوتنا حتى أن زوجاتنا دائما تحصل بينهما مشاكل بدون سبب , مما زاد حيرة والدينا وزاد عجزهما عن مواجهة الكره والبغض الذي يزداد كل يوم.
و استمرت الامور على ما هي عليه , ثم ماتت امي و بعدها بخمس سنين توفي والدي رحمهما الله رحمة واسعة.
وبعد موتهما قسمنا المال بيننا , وبعدها لم يعد أحد منا يدري شيئا عن الآخر ولا يسأل عنه , وأصبح لكل منا ابناء وبنات , لكنهم لا يعرفون بعضهم لو تقابلوا في الشارع.
و في يوم من الايام ــ و هنا كانت الطامة الكبرى ــ دخلتُ في تجارة و خسرت كل أموالي و ساءت حالتي المادية
واصبت بمرض السكري , و مع زيادة الضغوط عليَّ وكثرة الديون أصابتني جلطة في جانب الدماغ افقدتني عيني اليمنى , وذلك من كثرة التفكير في حالي و في أولادي بعد أن ضيعت كل شيء في لحظة طمع.
و في يوم من الايام ذهبتُ الى المسجد و صليتُ الفجر وبكيت كثيرا ودعوت ربي , و قلت يا رب ارحم امي و ابي و ارحم ضعفي و قلة حيلتي و عوضني خيرا في مالي , وأصلح أولادي , وبعد ان فرغتُ من الدعاء , جاء صديق لي وجار قديم وسلَّم عليَّ وقال : يا فلان لقد عرفتُ ما أصابك من امراض وفقر بسبب خسارتك لجميع أموالك.
و بعد اسبوع زارني في بيتي وقال لي أريد منك أمرا وليتك توافق عليه فقلت له : تفضل قل ما لديك ,فقال : هذا شيك بمبلغ 15 مليونا , ابدأ به حياتك من جديد , وحين تنفرج الامور وتتيسر يمكنك ردها لي.
شكرته ثم أخذت منه الشيك وسحبته , وبدأت نشاطي من جديد في السوق واستعدت كلما خسرته , بل زادت أرباحي ,وكنت في كل يوم أشكر الله ألف مرة.
و في يوم تفاجأت بصديقي يزورني في البيت و يقول لي :
جئتك اليوم في مسألة ضرورية لا تحتمل التأجيل ,قلت له : اذا كان الامر يتعلق بالمال فأنا مستعد أن ادفع لك أضعاف ما دفعت لي , فقال : الامر أكبر بكثير من المال , هل تعلم من الذي أعطاك المال؟ قلت لا , قال : إنه أخوك أرسلني اليك وقال لي يا فلان أسألك بالله ــ وهذا
سر بيني و بينك ــ أن تاخذ هذا المبلغ وتعطيه لأخي دون أن يدري أنه من عندي , فإني لا أستطيع رؤية أخي محتاجا وأتفرج عليه , وأنا اليوم أتيتك أستحلفك بالله أن تزور اخاك في المستشفى فهو مريض في غرفة العناية بين الحياة والموت , وعلى الاقل تذهب اليه فهو يحبك جدا.
ذهبت مسرعا الى المستشفى و دموعي تغسل كُرهَ السنين لأخي ابن امي و ابي.
دخلت غرفة الانعاش وإذا بعشرات الاجهزة في جسم أخي , تألمت وبكيت كثيرا ثم أمسكت يده و قبلت رأسه و قلت له سامحني , ففتح عينيه ونظر إليّ ورأيت الدموع تنحدر من عينيه , وضم يدي ليده بقوة ولفظ انفاسه الاخيرة.
صحتُ : أخي مات , أخي كان ينتظر قدومي ليودعني , أخي مات , ثم انحنيت عليه أقبلُ كل ذرة في جسمه وأبكي بكاء شديدا.
والآن , وفي كل يوم جمعة أمر على قبره وأبكي و أتذكر كلام امي "يا أولادي انتم اخوان" وصدقت رحمها الله , فلم يقف معي في محنتي واحتياجي الا اخي , حتى أن روحه لم تفارق جسده الا بعد أن رآني وأمسك بيدي.
والان أقول للجميع : الاخ لا يعوض ..
ربنا لاتؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا ..اللهم احفظ لنا أخوتنا وأخواتنا ,واجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة,
الجواهر