في أوائل التسعينات، نشرتُ تقريرا صحفيا عن موضوع الطائرة المفقودة، اعتمدت فيه على المعطيات التي تحصّل عليها أخ الوالي، السيد محمد محمود ولد محمد الأمين، وأخ مساعد الطيار السيد ولد أكيْبَدْ. حينها كان الأول مديرا مساعدا للمدرسة الوطنية للإدارة والثاني رئيس مصلحة في وزارة التعليم. التقيت بالسيدين عدة مرات لإنجاز ذلك التقرير. وكم زاد غموض الملف عندما تأكدت، من خلال اتصالات السيدين المذكورين، أن الأقمار الصناعية لم تلاحظ في تلك الليلة سقوط أية طائرة في البحر، وأن خبراء الطيران العسكري أكدوا أن إسقاط طائرة كانت على ارتفاع 2000 قدم على حافة الحدود الموريتانية الشمالية يفرض وجود حطام لها في دائرة قطرها 20 كلم (الأمر الذي لم يحدث رغم جهود البحث المضني في تلك الجهة).
محمد محمود ولد محمد الأمين (الذي سيصبح مديرا للمدرسة الوطنية للإدارة في تلك المرحلة، ومن ثم أمينا عاما للحزب الحاكم حاليا، قبل تعيينه سفيرا) كان يقول لي بأن قريبه الرائد ولد الغزواني (قائد كتيبة المدرعات حينذاك) عبر له عن أهمية ذلك التقرير الصحفي ووجاهة التساؤلات المثارة فيه. غير أن محمد محمود أغلق القوس فجأة وانشغل عن الملف كما انشغل عنه ولد أكيْبَد، الحزين جدا لفقد أخيه، بعد تعيينه مستشارا ثقافيا بإحدى السفارات (حسب ما سمعت لاحقا). هذان السيدان لا يمكنني إلا الوثوق بهما، فكل منهما عدلٌ وثبْت يوثق به، وكل منهما يتعلق الأمر بلحمه ودمه.. ذلك هو الانطباع الذي تركاه عندي في تلك المرحلة العصيبة. لقد ناضلا كثيرا من أجل الكشف عن مصير ركاب الطائرة، لكنهما فجأة صمتَا صمتًا مطلقا لا معنى له إلا إذا كانت الحكومات قد أعطتهما معلومات سرية حساسة لا يمكن الكشف عنها إطلاقا، أو كانا قد وصلا بالفعل درجة القنوط وانسدت أمامهما كل الطرق والأبواب..
على كل حال، ومهما كانت طبيعة ذلك الصمت الذي ما زلت ألتمس له أحسن المخارج، فإن الأسئلة الأهم اليوم موجهة بالأساس إلى ولد الغزواني : فكيف عبر عن أهمية الموضوع وإقناعيته في فترة كان فيها خارج النظام ومجرد رائد يقود كتيبة، ولا يساعد اليوم في تبيان الحقيقة بعد أن أصبح جنرالا قائدا لأركان الجيوش وجزءا من النظام إن لم يكن هو النظام نفسه؟ ماذا ينتظر ليكشف حقيقة ملف كان قد عبر هو نفسه عن أهميته وشرعيته عندما كان خارج لعبة السلطة؟ ألم يصبح في المكان الأنسب للرد عل تلك التساؤلات التي ثمّنها يوما من الأيام؟..