"عزمي بشارة كان يلتقي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك قبل كل زيارة إلى دمشق، ومع الجنرال احتياط داني ياتوم رئيس جهاز الموساد السابق، وتعوّد على تقديم تقارير إلى ياتوم عن زياراته إلى سوريا." ذلك ما كشفه الصحفي الإسرائيلي أمنون أبراموفيتش للقناة الإسرائيلية الأولى يوم 16-06-2001 (أنظر: دكتور عادل سمارة: تحت خط 48، عزمي بشارة وتخريب دور "النخبة" الثقافية، مكتبة مؤمن قريش، ص:95). يعرف دكتور سمارة بشارة معرفة دقيقة، فكلاهما من عرب 48، واشتركا في النضال السياسي قبل أن يفترقا حين قرر بشارة الترشح لعضوية الكنيست بعد تطواف سياسي قاده من عضوية الحزب الشيوعي الإسرائيلي، الذي كان والده أنطوان أحد مناضليه، إلى تأسيس حزب خاص به أقنع من خلاله عرب 48 بالاشتراك في الانتخابات الإسرائيلية التي ظلوا يقاطعونها!
عمل بشارة قبل ذلك من سنة 1990 إلى سنة 1996 مديرا مساعدا لمعهد "فان لير" في القدس المحتلة. "وهو معهد متخصص في رسم السياسات ودراسات الهوية وقضايا المجتمع"، أسس عام 1959. أصدر عام 1988 دراسة بعنوان "إسرائيل على مشارف القرن 21، يقول في ديباجتها:"العمل على زرع ونشر عوامل الفرقة والتشتت والتحزب الفكري في البلدان العربية، بما يؤدي إلى زيادة التطرف الديني والطائفي والعرقي، والقضاء على فكرتي القومية العربية والتضامن الإسلامي،... وتوظيف الأصولية الإسلامية وأيديولوجيات الأقليات في المنطقة لصالح إسرائيل."(أنظر سمارة، ص:27). قدم بشارة إلى معهد "فان لير" دراسة بعنوان:"الفوارق بين السياسة الدينية والتدين السياسي"، استخلص فيها أن حركات الإسلام السياسي ستنتهي علمانية، وهذا ما حدث فعلا مع الربيع العربي (قارن اجتهادات الترابي ، وآراء الغنوشي، ومؤلفات طارق سعيد رمضان لتجد أصول موقف جميل منصور من حد الردة في مقارباته، وتخرصات الشنقيطي).
أقسم بشارة ثلاث مرات في الكنيست القسم القانوني المنصوص:"أقسم أن يكون ولائي فقط لدولة إسرائيل وأن أخدم بولاء الكنيست الإسرائيلي، أقسم أن يكون انتمائي وبكل أمانة لدولة إسرائيل وأن أقوم وبكل أمانة بواجباتي في الكنيست الإسرائيلي." هذا هو القسم الذي أقسمه القومي العربي عزمي بشارة في كل مرة انتخب فيها عضوا بالكنيست الإسرائيلي!!!
في إحدى زياراته للبلدان العربية روج الإعلام الصهيوني لإمكانية رفع الحصانة عنه واتهامه بالتخابر مع حزب الله. ذهب بشارة إلى القاهرة وقدم استقالته من الكنيست إلى القنصل الإسرائيلي، وحط عصا الترحال في الدوحة! لم تتخذ الدولة العبرية ضده أي إجراء قانوني، ولم يتهم بأي شيء، ولم تصدر ضده مذكرة توقيف دولية!!! لقد تم تلميعه ليبتلع مشاهدو الجزيرة الطعم، كما تم تلميع القناة بسجن سامي الحاج في غوانتنامو من بين مئات الصحفيين التي كانت تعج بهم الحدود الباكستانية الأفغانية! يرجع الحاج اعتقاله إلى تشابه أسماء احتاجت الإدارة الأمريكية إلى ست سنوات للتحقق منه! وشبيه بذلك رسالة بوش إلى بلير"يستشيره" في قصف الجزيرة، لتقع الرسالة أخيرا في يد مدير القناة المشهور بعلاقاته الحميمة مع الاستخبارات الأمريكية! وهذه الأيام هب الكيان الصهيوني لنجدة الجزيرة حين هددت بعض الدول العربية بإغلاق فروعها، فهدد نتنياهو باتخاذ نفس الخطوة لردع البلدان العربية حتى لا يرتبط فعلها بالفعل الإسرائيلي، وحين تراجع المهددون خفت الصوت الإسرائيلي بعد تذكير مدير القناة، من خلال مقال نشره في الصحف الإسرائيلية، بالخدمات الجليلة التي أسدتها القناة للكيان الصهيوني!
أصبح عضو الكنيست الإسرائيلي، إلى جانب الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفي، منظر "الثورات العربية" يطل على المشاهد العربي محرضا على العنف، واعدا بانتصار سريع، وحياة رغدة ما بعد الأنظمة الدكتاتورية... واستنسخ في الدوحة معهد "فان لير" ليصبح هذه المرة مديرا لمركز الأبحاث ودراسة السياسات "يخرب به وعي النخبة الثقافية العربية". فلماذا اختار بشارة المثقف العروبي الهارب من "الاضطهاد الصهيوني"، رسول الديمقراطية والحرية، دولة قطر المعادية للخطاب العروبي، القريبة من الكيان الصهيوني.. التي لا توجد فيها حياة فكرية ولا ثقافية، ولم تعرف الديمقراطية يوما وإنما ينقلب فيها ابن العم على ابن عمه، والولد على والده، وتحكم على شاعر بعشرين سنة سجنا نافذا من أجل قافية!!! ألن يكون المفكر العروبي ذو الأصول الماركسية والثقافة الهيغلية المناهض للصهيونية أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام في إمارة وهابية يسيطر عليها الإخوان، ثلاثة أرباع سكانها جنود أمريكان وعمال آسيويون!!! يعتقد الدكتور سمارة أنه وجد الإجابة على هذا اللغز.."...ولكن عزمي وقيادة الكيان، وأعتقد مخابراته تحديدا، قد استفادوا من تجربة كوهين (كمال سليم ثابت) بمعنى أن عميلا بهذا الحجم يجب أن يحمى حينما يكتشف... لذا تم اختيار بلد مأمون المناخ الأمني والسياسي والثقافي والعسكري وهو قطر." (سمارة، ص:165).
بناء على كل هذه المعطيات كتب سمارة سلسلة مقالات يكشف فيها نشاط بشارة المشبوه، من بينها واحد بعنوان:"فتى الموساد"، نشر السلسة في الكتاب المنوه عنه مما أزعج بشارة فأصدر مؤخرا سيرته الذاتية تحت عنوان:"نفي المنفى" وهو عنوان يعزز الشكوك في حقيقة نفيه! واختار برنامج "وفي رواية أخرى" على قناة العربي ليقدم "روايته" وهو ما يؤكد انزعاجه ومستخدميه من الرواية الشائعة التي أخذت تكتسي صدقية كبيرة مع فقدان المفكر وقناته كل صدقية...
ليس مستغربا على "فتى الموساد" ونسخته القطرية من "معهد فان لير" أن يناصب موريتانيا التي جرفت السفارة الإسرائيلية وأغلقت القطرية، العداء... ظهر ذلك واضحا في منشوره عن الإصلاحات الدستورية التي لا يملك عنها سوى معلومات خاطئة. فالمادة 8 مثلا تدور بالنسبة له "حول الرمز الوطني والمتمثل في العلم والنشيد..."، ومن ضمن التعديلات، كما يدعي "إلغاء المحكمة الدستورية..." ويستمر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الحديث عن إصلاحات لم يكلف أيا من باحثيه الكثر بالتأكد من منطوقها... فمجلس الشيوخ سيتم "التعويض عنه بمجالس محلية...إضافة إلى إنشاء مجالس إقليمية جديدة". ويختلق المركز وظائف وهمية للمجلس الإسلامي الأعلى ووسيط الجمهورية "(اللذين يقومان بتنظيم شؤون الفتوى والتشريعات وحل المظالم والنزاعات الدينية)"!!!
على هذه المعطيات "الدقيقة" يشيد مركز بشارة نتائج لا تقل دقة عن مقدماتها... فالإصلاحات ستمنح الرئيس "صلاحيات تنفيذية تعزز من قبضته على السلطة... الاستفادة من التعديلات الدستورية الجديدة في التمديد ولاية ثالثة..." شهور عديدة قضتها النخبة السياسية والمجتمع المدني وقادة الفكر يناقشون عبر الحوار ووسائل الاتصال نصوص الإصلاحات وما يترتب عليها... ويعجز المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عن الاطلاع على النصوص وفهم ما يترتب عليها حقيقة! فما علاقة إلغاء مجلس الشيوخ، واستحداث مجالس جهوية..."بالتمديد ولاية ثالثة"!!!
ربما كان إميل حبيبي على حق حين وصف "فتى الموساد" ب"ال..."، وهي الحادثة التي تذرع بها للخروج من الحزب الشيوعي الإسرائيلي فكرا وتنظيما (قارن حادثة المروحة)، فمنشوره عن الإصلاحات الدستورية في موريتانيا لا يدل على ذكاء خارق، وإنما يظهر مستوى المصادر "المراقبين المحليين والصحافة والناشطين"، وانعدام البحث العلمي الجاد في مركز يوظف العشرات، وينفق الملايين على نشاطات سياسية موجهة لخدمة أغراض مشبوهة... نسي المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن يوقع منشوره، وتلك إحدى خصائص المنشورات التي تروجها التنظيمات السرية...
من صفحة محمد إسحاق الكنتي