جولة رئيس الجمهورية في الداخل، سبع محطات مضت بدأت بمهرجان نواكشوط الافتتاحي، وثنت في روصو بوابة البلاد الجنوبية، وثلثت بألاك عاصمة لبراكنه، لتجيء محطات كيهيدي وسيلبابي وكيفه ولعيون، وما زالت محطات الانتصار متواصلة.
عنوان هذه الرحلة المباركة وميزتها التي تسر الصديق وتسوء أعداء موريتانيا هي التلاحم الأسطوري بين الرئيس وشعبه، أو قل هي التعلق الممتزج بالاحترام والحب والولاء المتبادل بين الرجل الذي يجلس في القمة وقاعدته الشعبية حيث كانت.
لنقرأ ملامح من خطابات الرئيس في هذه المحطات السبع، ولندرس قليلا تجاوب الشعب معها، ففي ذلك بحث عن بيت القصيد، ومربط الفرس في سبب تعلق الشعب برئيسه.
1،ـ الوحدة الوطنية:
في خطاب لعيون ينطلق الخطاب من نقطة ارتكاز هي صمام أمان البلد، وسبيله بإذن ربه للبقاء قويا، يقول الرئيس بالحرف "أن الدولة عكفت منذ سنة 2009 على حماية النسيج الاجتماعي وتعزيز الوحدة الوطنية والوقوف بحزم في وجه المساس بهذه الوحدة التي هي مصدر قوة الشعب الموريتاني".
في خطاب سيلبابي ينزل الرئيس هذا الركن الركين منزلته، فهو حافزه وموجهه للاضطلاع بمسؤوليات الهم العام، فيقول "ان المواطنين انتخبوه سنة 2009 و2014 بأغلبية ساحقة للحفاظ على الوحدة الوطنية".
وفي عاصمة ولاية لعصابة أعرب فخامته عن يقينه بأن سكان لعصابه سيصوتون بنعم وبمائة في المائة لهذه التعديلات من أجل حماية الوحدة الوطنية المهددة من طرف بعض المجرمين وبعض السياسيين الفاشلين الذين يريدون جر موريتانيا لمهاوي الفتنة والدمار لا قدر الله.
2 ـ تعزيز التنمية:
عندما تثبت دعائم الوحدة الداخلية يصبح المجال الترابي للدولة قابلا للتنمية وتشييد الحضارة بمعنييها القيمي والمادي، وبالتالي فلم يغب البعد التنموي عن خطابات الرئيس.
تحدث رئيس الجمهورية في لعيون عن أهمية أخذ الخصوصيات الاقتصادية للولايات في الحسبان سواء تعلق الأمر بالولايات الزراعية أو تلك المنجمية أو التي تتمتع بمدن شاطئية وتخطيط التنمية على أساس هذه الاعتبارات، مشيرا إلى أن ذلك هو ما ستتولاه المجالس الجهوية المستحدثة.
وطالب رئيس الجمهورية سكان ولاية غيدي ماغه بالتصويت مائة في المائة على الإصلاحات الدستورية باعتبارها واجبا وطنيا ومجهودا ضروريا لضمان تعزيز الديمقراطية وتحقيق التنمية المحلية .
3 ـ الجيش الوطني:
لا يمكن لأي بلد مهما كان البقاء في عالم لا يرحم الضعيف، إلا إذا كان يمتلك مخالب، تنقض على المتربصين به، ولا وقيمة لوحدة وطنية، ولا وجود لتنمية في ظل إغفال دور الجيش والقوات المسلحة.
وفي هذا السياق استعرض سيادة الرئيس في مدينة لعيون ما تحقق من أجل بناء القوات المسلحة وقوات الأمن ورفع جاهزيتها وروحها المعنوية وحضورها في كل نقطة من نقاط البلاد.
وتحدث في مدينة روصو المحطة الأولى من زيارته عن واقع الجيش قبل ثمان سنوات وواقعه الحالي، وهما وضعيتان لا تقارنان بحال، مقارنهما كمن يفاضل بين الثرى والثريا.
4ـ الوفاء للتاريخ والذاكرة:
الوحدة والتنمية والأمن مقدمات لمستقبل مشرق، لكن لا مستقبل لمن لا ماضي له، ولا حاضر لمن يعق آباءه، وهذا ما وعاه رئيس الجمهورية كأي قائد عظيم في خطاباته وفلسفته.
قال الرئيس في سيلبابي إن التعديلات المقترح إدخالها على الدستور تتضمن ملحقين يتعلق أولهما بتحسين العلم الوطني من خلال إدخال تحسينات عليه تتمثل في خطين أحمرين في الأعلى والأسفل والهدف منهما توحيد الذاكرة الجمعية وترسيخ وتقوية الروح الوطنية وتخليد ذكرى شهداء المقاومة وأبطال الجيش الذين أريقت دماؤهم دفاعا عن شرف البلاد واستقلالها ووحدتها الترابية.
وقال في ذات الخطاب إن تخليد شهدائنا يرسم طريقا واضح المعالم لأجيالنا الصاعدة من أجل توعيتها حول المقاومة والتضحية والفداء في سبيل الوطن.
5 ـ محاربة الفساد:
لا جدوى ولا أثر لأي تنمية يتخطفها الفساد وسوء التسيير، وقد حارب رئيس الجمهورية منذ وصوله للحكم هذه الظاهرة المشينة التي كانت مستشرية للأسف في البلد.
ولم يغب ذلك البعد عن خطاباته في جولته المظفرة.
يوجه الرئيس الشعب في ألاك بأنه يجب غلق الأبواب أمام القوى التي تجري وراء المصالح الشخصية وتعمل على إعادة البلد إلى الفساد والرشوة والمحسوبية.
ويستعرض في محطات عدة من جولته التراكم المضيء الذي تم إنجازه منذ 2008 في ذلك الحقل، وهو ما ليس خافيا على المتابع الخارجي أحرى الداخلي.
6 ـ تعزيز الديمقراطية:
انطلقت سياسات رئيس الجمهورية من حجر زاوية، يلخصه الإيمان فعلا لا قولا بالديمقراطية، المتجسدة في احترام إرادة الشعب والانطلاق من الشعب وللشعب.
يتجلى ذلك واضحا في تأكيده أمام سكان لعيون أن من أسباب سن هذه التعديلات الدستورية التي نحن بصددها كون طريقة انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ غير مباشرة ومقتصرة على دائرة انتخابية محدودة قد لا تتجاوز في بعض الدوائر 11 ناخبا، مما يعرض العملية الانتخابية لتأثيرات تحد من شفافيتها وتعرض الناخبين فيها لعوامل متعددة تؤثر سلبا على الممارسة الديمقراطية في مستوى الاختيار والتنافس.
وأردف أن التصويت على الإصلاحات الدستورية يعد مجهودا ضروريا لضمان تعزيز الديمقراطية وتحقيق التنمية المحلية.
7 ـ الصراحة وتقديم الحقائق للشعب:
من عادة السياسيين الذين لا يستندون لقاعدة شعبية متماسكة اللجوء الى الخيارات السهلة عديمة الجدوائية والمشروعية مثل الكذب وتزييف الحقائق.
والقائد الحقيقي يصارح شعبه بالوقائع ويقدم لهم الواقع كما هو، فالرائد لا يكذب أهله.
وفي هذا الإطار يقدم الرئيس لشعبه حقائق من يعملون ضد التعديلات الدستورية ويتعهد لهم بإطلاعهم أكثر في الأيام القادمة على المزيد من الحقائق حتى يجعلهم على بصيرة من أمرهم بخصوص كل تلك الأكاذيب.
وفي ذات السياق يفند رئيس الجمهورية الإشاعات التي تطلقها بعض أطياف المعارضة حول تفشي الرشوة والفساد، معتبرا أن ذلك كله يدخل في إطار كذبها المعهود الذي لم يعد ينطلي على أحد.
ويعري رئيس الجمهورية تلك المعارضة غير المسؤولة، ويسمي الأشياء بأسمائها، فيقول إنه اتخذ من سنة الحوار منهجا ثابتا ونهجا متبعا منذ تسلمه مقاليد الأمور وظل يدعو إليه مختلف فرقاء المشهد السياسي، لكن المعارضة المتطرفة ظلت تمتنع عن الحوار وتعبئ ضده، مما يعني أن منهجها ليس حواريا ولا ديمقراطيا ولا تؤمن إلا بنفسها وأغراضها المعروفة.
خلاصة:
هذه سبع كلمات مفاتيح، يستنتجها من تتبع المحطات السبع الأولى من الجولة المظفرة، وفي السبع سر، يكتشف منها المراقب الواقعي المنصف أن الشعب ملتف حول قائده، وأن التعديلات الدستورية ستمرر بأغلبية أكثر من مريحة، لأنها خيار الرئيس الذي لم يخن شعبه ولم يكذبه، وما كان للشعب إن يخونه أو يتولى عنه يوم زحف، و(هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)..
الداه صهيب