مررتُ اليوم بقلب العاصمة بين مبنى "أفرْكو" وملتقى طرق "ب.م.د" على شارع جمال عبد النّاصر.
وكان الازدِحام المُروري في ذرْوَته. المشهَدُ غريبٌ. عشرات السيارات متوقّفة تمامًا، جاثمة في وسَط الطريق. سيارات من كلّ "المَرْكات" : باصات، تاكسيات، كورونا، كورولاّ، مرسديس 190، سيارات فاخرة، وأخرى باليّة... وعشرات السائقين في حالة من التّكاسُل والتعب والمَلل والإرهاق. سئموا الانتظار في جوّ مُلتهب وملوّث بدخان العوادِم وصخَب المنبّهات وصِياح وضحيج المارّة. نظرتُ من حوْلي، فإذا بالنّاس كلهم منزعجون من حال الجلجَلة والضّوْضاء والاضطراب السّائد. يلومُ بعضُهم بعضًا. يتشاجرون ويتغامزون ويتنابزون بالألقاب. هذا يدّعي لنفسه الأسبقيّة، وهذا يدّعي الأفضليّة ويُحمّل الآخر مسؤوليّة الأزمة والاختناق... وقضيْنا هكذا ما يقارِبُ أربع ساعات من الحبْوِ والتّهادي والسير على أطراف العَجَلات قبل أن نصل "الدوّارْ" !؟
وهنا، تبادر في ذهني وجه التشابه بيْن شارع المُرور وازدحامه وضجيجه وفِتنه وتضيِيعه للوقت والشارع السياسي واكتظاظه وصخَبه وخلافاته ونزاعاته. السيارات هنا هي الأحزاب والمنظمات على اختلاف أحجامها؛ منها السّمينُ ومنها الغَثّ، ومنها الحديثُ ومنها القديمُ المُتهالك. ويبلغُ ازدحام هذا الشارع ذروتَهُ مع اقتراب المواسم السياسيّة وخاصّة الانتخابات؛ ساعَتَها ترتفِعُ الأصوات والمنبّهات وتُحبسُ الأنفاسُ وتقشعرُّ الأبدان وتعُمّ الضوضاء وتنتشرُ الفوضى في كلّ مكان. وترى السائقين، و هُم رؤساء الأحزاب، يتلاومون ويتشاجرونً ويتنازعون الطريق ،،، والتّوَترُ بادٍ على وجهوهم الشاحبة. هذا يدّعي لنفسه الأكثريّة، وهذا يدّعى بأنّ له الأغلبيّة والشعبيّة، وذاك يُحمّل الجميع مسؤوليّة الانسداد. وفي المحصلة تتعطّل الحياة ويرتبك المواطنُ ويضيعُ وقت الجميع...قبل الوصول إلى "الدوّار" !؟
آه، لوْ أنّ سائقي السيارات احترموا قانون المرور بإشاراته ولوْحاته وأضوائه، واحتَرَمَ قادةُ الأحزاب والمنظمات قواعد العمل السياسي وقوانينه بما تنصّ عليه من صلاحيّات ومحطات وحُدُود ... لخَفّت الغوغاء و لرَبحنا الوقت !