أساء الشيوخ الذين صوتوا ضد التعديلات الدستورية إلى أنفسهم، قبل أن يسيئوا إلى غيرهم، لقد تعهدوا لرئيس الجمهورية والشعب الموريتاني بالتصويت لدعم التعديلات الدستورية، ولم يكونوا مكرهين ولامجبرين..
خطوة مجلس الشيوخ الأخيرة للأسف الشديد؛ لا يمكن أن تؤطر إلا في إطار الخيانة، وهو تصرف لا ينبغي أن يصدر من هيئة دستورية لها احترامها، ولا من أناس محترمين نظريا سنا ومؤهلات وفهما للظروف العامة.
ما الذي يدفع الشيوخ لمناقضة أنفسهم وخيانة التزاماتهم.. لا تدفعهم الوطنية ولا الدين ولا الحرص على المصلحة العامة تأكيدا..
ما يحز في نفس أي موريتاني شريف هو أن من يفترض أنهم نخبة البلد بين ظفرين كبيرين يؤسسون لتثمين قيم الخيانة والكذب والنفاق.
أعضاء مجلس الشيوخ الذين صوتوا ضد التعديلات شاركوا بحماس مشهود في جلسات الحوار الوطني الشامل، وكانوا خلف مخرجاته التي تضمنتها التعديلات الدستورية، ولم ينبس أي منهم بنت شفة ضدها.
لماذا لم يعبروا عن اعتراضهم عليها خلال ذلك الحوار، ولماذا لم يعبروا عن اعتراضهم عليها بعد ذلك.
التعديلات الدستورية ليست خيار رئيس ولا نظام، ليس للرئيس محمد ولد عبد العزيز أي مصلحة شخصية في تمرير هذه التعديلات، الرجل وقف بشجاعة وصراحة وصدق، وهي صفات ألفها فيه الموريتانيون، وقال إنه لا يريد تعديل الدستور لمصلحته.
ولكن من سيضار فعلا برفض التعديلات هو المواطنون البسطاء الذي كانت هذه التعديلات تحمل لهم آمالا تنموية عريضة، وكانت لو وجدت مخرجاتها الطريق للتنفيذ ستعود عليهم بالنفع والفائدة حيثما وجدوا خلال وطننا المترامي الأطراف.
لم يدخل المصوتون ضد التعديل التاريخ عكس ما يطبل له هواة القيم المتبدلة، المصابون بعمى الألوان، بل خرجوا إلى الردهة الخلفية من سياسة البلد.
نحن قوم لنا تقاليدنا التي تعلي الأمانة والصدق والالتزام والنزاهة، ولن نرمز اليوم ولا غدا من يقول شيئا في العلن ويفعل ضده في الخفاء؛ إلا إذا ألحقناه بـ"أبي رغال" في رمزية الخيانة والنذالة.
لقد علمنا ديننا أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وأمر ربنا رسوله الكريم أن لا يصلي على أحد منهم مات أبدا ولا يقوم على قبره.
أي فرق بين منافقي اليوم والأمس، لقد كان عبد الله ابن أبي يتظاهر بمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم واعتناق الإسلام، ويخفي سرا مناهضته للدين الحنيف ويتحالف مع أعدائه.
أما "شيوخنا" اليوم فقد تعهدوا غير مكرهين ولا مجبرين بدعم خيار شعب، تظاهروا علنا بتبنيه قبل أن ينتهزوا فرضة التصويت السري ليصوتوا ضده.
هو شيء بالتأكيد تمقته قيم الدين والرجولة والشرف، ولا يحبذه الموريتانيون جميعا.. فما السبب يا ترى في تصرف هؤلاء "الشيوخ"؟
البطون والمصالح الشخصية للأسف الشديد هي بيت القصيد.. ويا أسفا..
لقد كان رئيس الجمهورية محقا في اقتراح إلغاء غرفة الشيوخ؛ التي لا تخدم البلد وتثقل كاهله.
استمرأ هؤلاء الشيوخ مقاعدهم وهم الذين يوجدون جميعهم في حالة تمديد، ولم يفهموا أن الزمن لا يجري لصالحهم.
لرئيس الجمهورية الحق في اللجوء إلى أي خيار يكفله له القانون والدستور للذود عن الإرادة الشعبية في وجه قرصنة هذه الغرفة المهترئة.
.. أما أولئك الذين لم يدخلوا التاريخ لحظة، وإنما استفادوا من لحظة صدفة مكنتهم من الظهور في الواجهة مرحليا، والذين ينعقون بما لا يفقهون، والذين يطالبون بكتابة أسماء الخونة بحروف من الذهب، فليخرجوا من ذهبهم الذي سرقوا ما يكتبون به أسماء أوليائهم.. وويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون.
وليعلموا أن هذه عثرة بسيطة.. وأن الشعب ماض في خياراته.. فلا يذهب بهم التطبيل والرقص والعربدة بعيدا..
نفس الشيء يمكن أن نقوله لمعارضة الظواهر الصوتية والمفرقعات الخاوية التي تعد كل شيء نصرا لها..
الشعب الموريتاني اليوم مطالب بحماية خياراته بأسلوب قانوني محترم متحضر.. وهو لن يتقاعس عن واجبه..
وثلاثون صوتا نسبة صغيرة مهملة من ثلاثة ملايين مواطن.. و"أدرك ما اينكس" كما يقول المثل الحساني.
الداه صهيب