كتب كلٌ من العقيد والمقدم محاولين تقديم رؤية للحالة العامة في البلاد وقد انسجمت قصاصتاهما في الصياغة والمحتوى.. ونرى من الحكمة إعادة قراءة الوثيقتين التوأم وتقييم محتواهما فالوثيقتان من رئيسين سابقين وجدير بنا أن نقرأ ما كتبوه حتى ولو جاء في الوقت بدل الضائع ..!
في قصاصته "البيان" ركز العقيد هجومه على النظام واصفا إياه بعدم الشرعية ومحذرا من مغبة تغيير الرموز الوطنية التي رفرفت خفاقة على رؤوس الموريتانيين ، وخاطب النواب مستنهضا همة الرفض لديهم باعتراض سبيل تلك التعديلات التي يرى العقيد أنها في غير محلها .. ونفخ في آذان الشيوخ، وقال :" إن محاولة النظام تمرير إلغاء الغرفة العليا في البرلمان الموريتاني (مجلس الشيوخ) دون مبرر سوى عجزه عن جعل المجلس في وضعية قانونية من خلال تنظيم انتخابات لتجديده، وأمام فشله في تدجينه وترويض أعضائه بغية أن يتحولوا إلى اتباع طيعين له، يأتمرون بأمره وينتهون لنهيه "
وللتاريخ فإن العقيد أيام قيادته للمرحلة الانتقالية وفي خضم بحثه عن سبيل تبقيه في السلطة قام باستثمارات هائلة في أعضاء "الغرفة" في تلك المرحلة بعضها تمثل في سيارات وهدايا قيمة.. فهل يمثل هذا المقطع لإطرائي المديحي تذكيرا بديونه القديمة ..!
وفي نهاية قصاصته " البيان" وعد العقيد النواب بدخول التاريخ من أوسع أبوابه إن هم اعترضوا تمرير التعديلات الدستورية ، وهنا حري بنا أن نفكك طلاسم هذا الوعد الذي قدمه رجل دخل التاريخ على حين غفلة أو "غفوة على الأصح " يوم سلمته مجموعة من الضباط النبلاء شرف قيادة مرحلة انتقالية ، كان لحظة تنفيذها يغط في نوم عميق ليدخل بذلك تاريخ الأمة الموريتانية ويكتشف الشعب مخارج حروفه وهو صاحب العشرين ربيعا في قيادة جهاز أمن ولد الطايع لم يسمع له خلالها ركزا رغم انتشار الفساد وتجارة المخدرات وفساد الدولة والمجتمع ..
حقيقة لقد قاد العقيد تلك المرحلة وهو مازال ناعسا من فرط تأثره بحقبة النهب ..!
أما "قصاصة" المقدم فخرجت كما لو أنها من أيام تهذيب الجماهير يعلوها الفتور والارتباك وتقاطعت مع وثيقة العقيد في الدعوة إلى رفض التعديلات الدستورية التي اقترحها الحوار الأخير .. وأنا أقرأ وثيقة المقدم تذكرت قصةً رواها لي أحد الأصدقاء نقلا عن مراسل أحدى المحطات الإعلامية الأجنبية ، وفي تفاصيل القصة أن مراسل المحطة الإعلامية كان يعمل على إعداد وثائقي عن موريتانيا وتاريخها السياسي وفي بحثه التقى بالرئيس المقدم وسأله عن أهم إنجاز قام به خلال قيادته للبلاد فسكت الرجل برهة وقال : "وكان الحديث بالعامية أي الحسانية وجاء بهذه الصيغة "والله ما نعرف يغير شاك عنه بعد رواية درناه في الدستور" .. وتعني بالغة العربية "والله لا أذكر لكن أعتقد أنه أمر يتعلق بالدستور"
التفت الصحفي إلى مرشده وقال أنت متأكد أن هذا الرجل كان يقود بلدا ..!
وثيقة المقدم تضع قدما في حقبة الثمانينات وسياسة تهذيب الجماهير ، والقدم الأخرى تبحث عن مكان لم تهتدي إليه بعد وربما تنزلق نحو المجهول ..
و بالمحصلة فإن وثيقتي العقيد والمقدم تشاركتا في وحدة المحتوى ومضمون الرسالة وتقاطعتا في كثير من النقاط تقاطع الرجلين في ملفات متشابهة وربما تكون الوثيقتان قد شمتا من القنب الهندي أو حقنتا بمخدر الكوكايين ، حينها سنفهم مدرك التشابه .
عبد الله الراعي