
لم تكن الطرق يومًا مجرد مسالك لعبور القوافل والبضائع، بل شكّلت عبر التاريخ شرايين للحضارة، ووسائط للتفاعل الثقافي، وجسورًا للتبادل الاقتصادي والإنساني.
وقد وعيتُ هذه الحقيقة مبكرًا، حين نشرتُ سنة 1994 ورقة علمية في دورية وسيط تناولتُ فيها محورية بلادنا في الربط الحضاري بين ضفتي الصحراء الكبرى، وأهمية الطرق التي استخدمها الأولون منذ ما قبل التاريخ.
لقد أثبت التاريخ أن بلاد شنقيط لم تكن هامشًا جغرافيًا، بل كانت قلبًا نابضًا في شبكة الطرق العابرة للصحراء، ونقطة التقاء مثمرة بين حضارات غرب أفريقيا وجنوب الصحراء من جهة، وحوض البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا من جهة أخرى. ومن دون هذا الموقع الوسيط، لما تيسّر ذلك التلاقي الخلّاق الذي أغنى الثقافة، ونشّط التجارة، ووسّع دوائر المعرفة.
وانطلاقًا من هذا الوعي، اشتغلتُ خلال الفترة ما بين 2004 و2007 على مشروع الطرق الثقافية العابرة للصحراء، إيمانًا بأن الطرق ليست مجرد بنى تحتية صمّاء، بل ذاكرة حية، ومسارات للقيم، وحوامل للسلام والتعايش. فالطريق التي حملت الملح والذهب، حملت أيضًا العلم، واللغة، والدين، والعادات، وأسست لفضاء مشترك تجاوز الحدود والجغرافيا.
واليوم، ونحن نعيش عالمًا مضطربًا تتقاطع فيه المصالح وتتزاحم فيه الممرات الاستراتيجية، تبرز من جديد أهمية موقع بلادنا ودورها. فنحن ـ بفضل الله ـ وبحنكة فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، نملك رصيدًا معتبرًا من الثقة والمصداقية، أهلنا لنكون وسيطًا موثوقًا ومجربًا في محيطنا الإقليمي والدولي.








