
تعد الجريمة في الظروف العادية ظاهرة إجتماعية طبيعية متأصلة في نسيج المجتمعات.
لا ترتبط بلون أو عرق أو فئة مجتمعية محددة ،
بل هي سلوك فردي أو جماعي يخالف الشرع و القانون ،
حيث يحاسب الجاني بناءا علي فعله و ليس علي خلفيته الإجتماعية .
المعهود عادة في مثل الحالات الإجرامية ان تكون الدوافع جنائية تقليدية كالسرقة أو الإعتداء أو مصلحة مادية .. الخ .
بتأثير أو دون تأثير حبوب الهلوسة أو المؤثرات العقلية أو المخدرات التي انتشر إستعمالها بشكل كبير و علي نطاق واسع داخل أوساط الشباب في ظل تراجع الدور الرقابي و التحسيسي للأسرة و المدرسة و العلماء و المجتمع و الدولة و انتشار البطالة .
بالإضافة إلي ضعف الوازع الديني و غياب الأمن ،
في زمن تلاشت و تراجعت معه القيم المجتمعية و الثوابت الوطنية.
إلا أن الجريمة قد تتحول إلي فعل عنصري ممنهج عند ما يكون الدافع الأساسي لإرتكابها هو الكراهية و الحقد أو التحيز ضد الضحية ،
بناءا علي العرق أو اللون أو الدين ،
حيث يتحول البغض النفسي إلي سلوك إجرامي .
ولنا في قصة بابيل و هابيل شواهد و عبر حيث تعد أول جريمة في البشرية نشأت بسبب الحقد و الحسد ،
لا شك أن جريمة الإغتصاب البشعة و الخطيرة التي أثارت موجة غضب و إستنكار واسعين ،
و التي قام بها لص مسلح منذ ايام بحي دار السلامة بمقاطعة دار النعيم .
و هي بالمناسبة منطقة يبدو أنها باتت مسرحا لجرائم القتل و الإغتصاب و إنتشار الجريمة و المخدرات دون رادع يردعها أو وازع ضمير يمنعها ،
قد شكلت إنحرافا عن الأنماط الإجرامية التقليدية المعروفة ،
بعدما اخذ المال و الأغراض الهامة و أغتصب فتاتين بشرتهن فاتحة بدافع عنصري مقيت و هو يردد كلمات تنم عن الحقد الدفين إتجاه مجتمع البيظان ،
كما نجت الثالثة حينما صرخت في وجهه بأنها سمراء من
بنات جلدته .
وفق ما ورد في رواية الأم المكلومة و المفجوعة.
حصل هذا داخل بيتهم و أمام أعين والدهم الطاعن في السن و ضريح الفراش في شبه غيبوبة اكلينيكية في ظل غياب بقية أفراد الأسرة.
قبل أن يلوذ الجاني بالفرار بعد فعلته البشعة و الصادمة .
و هو ما يشير إلي تحول نوعي في طبيعة الجرائم حيث يصبح الدافع هو الحقد الدفين و الكراهية و ليس مجرد المصلحة المادية أو العوامل التقليدية .
مما يعد تطورا خطيرا غير مسبوق و تمايزا لأول مرة يحصل في إرتكاب الجريمة علي أساس عرقي .
تغذي وسائل التواصل الإجتماعي هذا النوع من الجرائم عبر تضخيم العنصرية و المعلومات الزائفة ،
مما يؤدي إلي تحويل الأفكار المتطرفة إلي عنف فعلي ناتج عن شيطنة الآخر .
و يساهم في تحويل الجريمة إلي أداة للانتقام الشخصي أو الإجتماعي ،
و هو ما يشكل خطرا جديدا و مستحدثا علي السلم المجتمعي .
بالتأكيد إذا ترك خطاب الكراهية و التحريض و التفرقة علي هذا النحو من الإنتشار و الإستباحة دون رادع ،
يمكن ان يضر ذلك التماسك الإجتماعي والتعايش الأهلي المشترك و التنمية ،
لأنه يمهد للصراعات و التوترات و إنتهاكات حقوق الإنسان علي نطاق واسع ،
فالترويج لخطابات الكراهية أكثر خطورة و فتكا للمجتمعات من الترويج للمخدرات لما تثيره من نعرات وفتنة ،
فالفتنة أشد من القتل .
من جهة أخري تعد جريمة الإغتصاب من عظائم الأمور المسكوت عنها للأسف في بلدنا .
نتيجة عزوف البعض عن إبلاغ السلطات عنها بمجرد وقوعها و كشف تفاصيلها و جزئياتها في نفس الوقت .
خوفا من العار و الفضائح و ضغوط العوائل و قيود التقاليد داخل مجتمع محافظ يفضل الذكور علي الإناث و يتعامل مع المرأة بإهمال.
و هو ما يعزز فرضية إلقاء اللوم علي الضحية لكونها تتحمل مسؤلية الإعتداء بدل الجاني .
ما يبعث علي القلق و الخوف إزاء قضايا الإغتصاب المنتشرة هو التراخي و التساهل القضائي مع المجرمين و المتهمين و المدانين في هكذا جرائم .
و هو ما يساهم بشكل أو بآخر في إفلات الجناة من العقاب تحت أسماء و مسميات متغيرة حرية مؤقتة أو دون وجه متابعة أو غيرها .
مما يبقي العقوبة دون مستوي الفعل و آثاره السلبية علي حياة الضحية .
في ظل ما أشيع عن المشرع الموريتاني بأنه مازال يعتبر الجرائم الجنسية شكلا من أشكال الحماية الجزائية للأخلاق و هو أساس غامض للتجريم .
ففي سياق قضية الإغتصاب الأخيرة
ينبغي علي الجميع أخذ الحيطة و توخي الحذر و التعاون و التنسيق مع السلطات الأمنية و التبليغ الفوري عن كل مشتبه به.
حتي لا تتكرر الحادثة في مناطق أخري من العاصمة .
كما أن إحقاق الحق في حالة الإغتصاب الحاصلة و الإعتداء علي حرمة المسكن يتطلب القبض الجاني و إحالته للقضاء ،
كما يقتضي منا جميعا أن نقف وقفة رجل واحد إلي جانب أهل الضحية و في وجه الإجرام و خطابات الكراهية ،
و المطالبة سويا أمام قصور العدالة بضرورة تحسين التدابير الأمنية و محاكمة الجناة و إحقاق العدالة و ضمان عدم الإفلات من العقاب.
و إنزال أقسي العقوبة عليهم حتي لا يتسني لأي كان و تحت أي ظرف أو مسمي، المساس و العبث ببنات الناس .
في انتظار أن تدفع هذه القضية بالمشرع الموريتاني إلي تشديد و تغليظ قانون عقوبة الإغتصاب خاصة في ظل الدوافع المستجدة ،
ليلائم حجم المأساة و يصل إلي الإعدام أو المؤبد
مما سيعزز الشق الوقائي و يساهم في ردع من يفكر في القيام بمثل هذا التصرف الخاطئ و القاتل و الهدام .
حفظ الله البلاد و العباد من كيد الكائدين
اباي ولد اداعة .









