
تعد المهرجانات الثقافية و التراثية مناسبة وطنية هامة للإحتفاء بثقافة و تراث الوطن.
كما تعتبر مؤشرا مهما للدولة علي مدي إهتمام القيادة السياسية للبلد رئيسا و حكومة بالإعتناء بالتراث و الثقافة و إعطائها أولوية خاصة ضمن خطة عمل ثقافي مؤسسي .
فموريتانيا بحكم موقعها الجغرافي تزخر بإرث وطني غني و متنوع عربي إفريقي إسلامي نراه و نلمسه في العادات و التقاليد و سلوك المجتمع.
لذا جاءت توجيهات فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني متخذة كافة الإجراءات الكفيلة بالحفاظ علي التراث الوطني و صونه و رعايته و إحياء الموروث الثقافي و إبراز مضامينه من خلال تنظيم المهرجانات التراثية و الثقافية لما لها من أثر كبير في ترسيخ مفهوم الهوية الوطنية و تحقيق منظومة التلاحم الوطني و تعزيز الساحة الثقافية التراثية داخل محيط مدائن التراث دعما للتنمية المحلية.
كما تعمل هذه المهرجانات علي تعزيز السياحة و التنمية المستدامة و أيضا جذب الإستثمارات و تحسين جودة الحياة بالنسبة للساكنة المحلية و تقوية التواصل بين المجتمعات إلي جانب تطوير البني التحتية و الخدمية و توفير فرص عمل جديدة و لو مؤقتة .
إضافة إلي تحقيق عوائد إقتصادية عالية في جميع النواحي و تفعيل السياحة المحلية .
كما تعد من جهة أخري فرصة مناسبة لإلتقاء كل أفراد العوائل و الأسر في حدث واحد يستعيد أجواء الماضي و يقدم الموروث في صورة تجعله جزءا من الذاكرة الوطنية و يؤسس للحاضر.
تأكيدا لما يمثله الحفاظ علي التراث الوطني من صورة حضارية تتجسد فيها أصالة خصال شعبنا و قوة ارتباطه بجذوره .
حيث يشارك الجميع كل من موقعه و من مختلف جهات و مناطق الوطن في الفعاليات و التجارب و الأعمال المعروضة و الإحتفالات و يتعرفون علي بعضهم البعض مما يعزز الروابط الإجتماعية و التفاعل بين الأفراد و يحفظ الود و يحقق الإتصال البيني .
لاشك أن قيام و تنظيم مهرجانات تقافية و تراثية علي هذا النحو قد ساهم بشكل أو بآخر في رسم لوحة تراثية رائعة تحكي صداء الماضي و تنقل الحاضر إلي آفاق المستقبل ،
كما مكن أيضا من صيانة و حماية و تثمين الموروث الثقافي للمدن القديمة علي التوالي شينقيط ، وادان ، تيشيت، ولاتة .
إضافة إلي خلق فرص إقتصادية و وظيفية مؤقتة للساكنة دعما وترويجا للمنتج المحلي.
كما شهد هذا الحدث خلال السنوات الأخيرة إقبالا جماهيريا كبيرا منقطع النظير و تعاطيا شعبيا واسعا تجسد من خلال الإسهامات الفلكلورية الشعبية المتباينة و عرض المنتوج المحلي .
في حين جاء خطاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ،
خلال إفتتاحه بوادان
النسخة الرابعة عشره من مهرجانات مدائن التراث ،
ضمن سياق خطاب وادان الشهير الذي
دعا من خلاله أنذاك كافة المواطنين إلي تجاوز رواسب هذا الظلم في موروثنا الثقافي و إلي تطهير الخطاب و المسلكيات من تلك الأحكام المسبقة و الصور النمطية الزائفة .
في خطوة معلنة و غير مسبوقة للحرب علي العقليات الضارة بوحدتنا الوطنية و المنافية لقيمنا الدينية مثل : النفس القبلي و العرقي الهدام .
كما يأتي خطاب اليوم أيضا في سياق التركيز علي تعزيز الهوية الوطنية الجامعة كضرورة لبقاء الدولة ،
حيث أكد فخامة رئيس الجمهورية أن بقاء الوطن و مستقبله مرهون بقدرته علي تعزيز رباط المواطنة و اللحمة الإجتماعية،
مشددا علي ضرورة تجاوز النزعات القبلية و الشرائحية .
و داعيا في نفس الوقت إلي تغيير العقليات و المسلكيات لتجاوز القبلية و الفئوية و الشرائحية .
و مشاركة النخب في بناء الإنسجام الوطني بما يعزز اللحمة الإجتماعية التي هي صمام أمان الوطن .
كما أستغرب فخامة رئيس الجمهورية أيضا الدور السلبي لبعض النخب و تجاذباتها التي قد تعيق تعزيز المواطنة .
مؤكدا حاجة الدولة لمشاركة فاعلة من النخب السياسية و الثقافية و المجتمع المدني في هذا الإتجاه .
في الوقت الذي تم فيه بذل جهود كبيرة علي مدي السنوات المنصرمة في مجال العمل علي تقوية هذه الوحدة و تعزيز الإنسجام الإجتماعي .
إلي جانب التصحيح التدريجي لميزان العدالة الإجتماعية بالإنفتاح السياسي ،
و تقوية المدرسة الجمهورية و ركائز دولة القانون بإصلاح المنظومة الإدارية .
إن أخطر ما يهدد المجتمعات اليوم ليس الفقر وحده ،
بل ضيق الأفق و إنتشار السلوكيات الهدامة .
و هو ما يتطلب إستخلاص العبر من مضامين خطابات فخامة رئيس الجمهورية الهادفة و البناءة .
و التي من المفروض أن تؤسس لمرحلة جديدة من خلال القطيعة مع الممارسات الخاطئة و تضبط إيقاع العمل السياسي علي أسس من الجدية و تنهي الإرتجال .
( فيد واحدة لا يمكن ان تصفق لوحدها ) .
في حين تظهر الممارسات الفعلية من بعض المسؤولين تناقضا مع المبادئ المعلنة ،
مما يخلق فجوة بين الخطاب و الواقع بدلا من إحداث تغيير جذري .
بينما ينبغي أن تكون الخطابات أدوات لتفعيل القوانين و تجسيد المواطنة .
خاصة إذا كان الواقع يظهر إستمرار المحسوبية و الجهوية و تكريس النفوذ المحلي و الولاءات القبلية .
إن تحقيق هيبة الدولة وتكريس دولة المواطنة مسؤولية مشتركة تبدأ من إلتزام الأجهزة المؤسسية بالعدالة و التطبيق الصارم للقانون و تكتمل بإحترام المواطنين للنظام و القانون .
بالتأكيد تحقيق مقاصد خطاب فخامة رئيس الجمهورية،
لا يأتي إلا من تضافر الجهود الوطنية و الإلتفاف حول المصلحة العليا للوطن .
و بتجسيد الإلتزامات ميدانيا عبر العمل الجماعي و النزيه.
من خلال التركيز علي الأولويات الإستراتيجية و تعزيز دور المؤسسات و الإلتزام بسيادة القانون لتحقيق التنمية و الإستقرار .
ما ميز هذه النسخة عن سابقاتها حتي الآن هو مستوي الحضور النوعي الرسمي لعدد أعضاء الحكومة و المنتخبين المحليين و أعضاء السلك الدبلوماسي و ممثلي الهيئات الدولية ،
و كذلك المشاركة الواسعة لمختلف الشخصيات الوطنية و الدولية العلمية و الإعلامية و الثقافية و الفكرية ،
إضافة إلي الأعداد الكبيرة و الكبيرة جدا من أبناء الوطن و غيرهم للمشاركة في مختلف فعاليات المهرجان .
إضافة إلي حسن التنظيم الذي كان علي مستوي الحدث و خلو المهرجان إلي حين من مظاهر التملق و النفاق التي كثيرا ما تكون المهرجانات بيئة حاضنة لها .
في الوقت الذي أستاء فيه البعض من حالات الإقصاء و التقصير المتباينة و خاصة من الوسط الإعلامي و الثقافي و إقتصار الدعوة علي أشخاص دون غيرهم ،
إضافة إلي تعثر بعض المدعوين من الوصول إلي المنصة .
و هو ما قد تمليه ظروف أمن المهرجانات
وضوابط التنظيم في هكذا حالات و مثل هكذا مناسبات قد لا تسمح بإرضاء الجميع
في ظل اللامبالاة و عدم الإلتزام بالنظام و التقيد بالوقت .
من جهة أخري حرص رئيس الجمهورية علي أن تحمل هذه النسخة من مهرجان وادان مكونة إنمائية خاصة وخاصة جدا شملت جملة من المشاريع التنموية لتعزيز و تحسين مستوي النفاذ إلي الخدمات الأساسية من ماء ، كهرباء ، صحة ، تعليم ، و تقوية البث و الإتصالات، وفك العزلة عن المناطق القريبة من المدينة
فضلا عن دعم المساجد و المحاظر و الحرفيين و دور المخطوطات و دعم الشباب و النساء و الصناعة التقليدية و السياحة ....الخ
من خلال تمويل مشاريع صغيرة مدرة للدخل لصالح الشباب و أصحاب الإحتياجات الخاصة و الطبقات الهشة في المجتمع .
بالإضافة إلي إجراءات سلسلة تكوينات و تدريبات و تأهيل الشباب ،
و توزيع قروض ميسرة لأهل النزل و دعم التنمية الرعوية و الزراعية و توفير السياج لها .
في حين يري بعض المراقبين أن أداء و دور مهرجانات مدائن التراث في نسخه السابقة جاء دون المستوي المطلوب و لم ينعكس بشكل ملموس علي الواقع المحلي المعاش و لم يحد من معاناة الساكنة.
فرغم مرور 14 حولا علي هذه التظاهرة الوطنية الهامة بشكل دوري و سنوي .
فإن توافد آلاف المشاركين إلي مهرجانات مدائن التراث مازال يشكل تحديا و عبئا كبيرا علي موارد المدن القديمة الشحيحة و شبه المعدومة ،
خاصة في ظل غياب البني التحتية الفندقية و مرافق الإقامة و الطرق و تدني الخدمات الأساسية.... الخ .
بحيث ما فتئت ساكنة المدن التاريخية ( وادان ، شينقيط ، تيشيت، ولاتة ) .
تعمل بسخاء و تساهم بشكل مباشر في إنجاح مهرجانات مدائن التراث بفضل روح الإستعداد و الكرم و من خلال خلق جو من الأصالة و الضيافة الحقيقية التي تجذب الزوار و الدبلوماسيين و تشعرهم بدفء الإستقبال ،
و هو ما يتجاوز الفعاليات الرسمية .
هذا الكرم يجسد قيم الثقافة الصحراوية العريقة ،
حيث يستقبل السكان ضيوف المهرجان بصدور رحبة و إنفتاح قل نظيره ،
رغم قساوة الظروف المعيشية و التحديات التنموية القائمة .
مما يمنح المهرجانات طابعا إنسانيا و ثقافيا صادقا ،
يعزز التبادل الثقافي و يبرز تراث هذه المدن الضارب في عمق التاريخ .
إلا أن هذه المهرجانات رغم التمويلات الهائلة ظلت عاجزة عن تحقيق حلم راود ساكنة هذه المناطق منذ قيام الدولة المركزية و إعتماد تنظيم هذا الحدث ، تمثل أساسا في فك العزلة عن معظم هذه المدن خاصة وادان ، تيشيت ، ولاتة
قبل أن تشهد طريق أطار شينقيط الموسم الماضي إنطلاق الأشغال فيها بشكل فعلي ،
في انتظار الإنتهاء منها قريبا إن شاء الله .
بعد وعود طويلة لحكومات و أنظمة سابقة دون تنفيذ يذكر علي أرض الواقع ،
بشكل عام تحاول الدولة من خلال هذه المهرجانات تحقيق توازن بين حفظ التراث و دعم الساكنة. ،
إلا أن الحاجة ظلت ماسة لتعزيز المشاريع التنموية الهيكلية.
في حين يري بعض المراقبين أن هذه الفعاليات و التظاهرات و المهرجانات الموسمية
ما هي إلا مناسبة للفساد و هدر المال العام و فرصة للتربح الشخصى من طرف بعض القائمين علي شأنها و مقدمي الخدمات القادمين من العاصمة انواكشوط .
بينما انتقد آخرون الآليات التي يتم من خلالها إختيار المشاركين في فعاليات مهرجانات مدائن التراث و طريقة حجز المشاركة فوق المنصة ،
و هي بالمناسبة حدث ثقافي محلي ذات طابع خصوصي كان من المفروض أن تكون الأسبقية و المشاركة فيه محصورة علي كتاب و أدباء و مؤرخي و مثقفي المدينة الحاضنة للمهرجان أو الولاية لضمان الحضور اللائق الذي يعكس حقيقة المشهد الإبداعي المحلي ،
فأهل مكة أدري بشعابها.
و لكونهم المستهدف الأول ضمن هذه الفعاليات من أجل إبراز الموروث الثقافي المحلي ،
و هو ما يرونه إقصاءا و تغييبا للكفاءات المحلية و تهميشا للمشهد الثقافي الأصيل لصالح أسماء قادمة من العاصمة انواكشوط أو جهات أخري .
وهي نفس الأوجه التي تتقاسم الأدوار فوق المنصات و المهيمنة و المسيطرة علي المشهد الثقافي الوطني في كل الأوقات و المناسبات و خلال مواسم مهرجانات مدائن التراث الأربعة وادان ، شينقيط. تيشيت ، ولاتة .
مما يضعف الهوية الثقافية للمهرجانات و يقلل من فرص التبادل الفكري و الإبداعي .
من جهة أخري لوحظ هذا العام قيام العديد من المهرجانات الثقافية داخل الوطن بجهود خاصة أو برعاية من الجهات الوصية و بشكل متزامن في بعض الحالات.
و هو ما شكل موضة غير مسبوقة وسط فوضي عارمة قد تعيق ضبط الساحة الثقافية ،
جاءت علي نحو كرس للنفاق و الإنشقاق و ترسيخ مفهوم القبيلة و الجهوية في ظل تجاذبات سياسية و إجتماعية كثيرا ما تلقي بظلالها علي المشهد الوطني و علي فعاليات المهرجانات .
سبق أن قيل : ليس في القيم عموما ماهو مادي مطلق و ليس فيها أيضا ما هو مثالي مطلق .
إنما يتوقف الأمر علي جلب المصالح و درء المفاسد .
فما القيم إلا عملات إجتماعية تختلف بإختلاف الزمان و المكان .
متي تحققت لها الوظيفة كانت مشروعة.
و متي انتفت كانت خارجة عن وظيفتها .
و إن ترتبت عليها المفاسد صارت شرا لا خيرا .
صحيح أن العودة إلي التراث و استلهامه في انشطة ثقافية صارت ضرورة في ظل عولمة عارمة غزت البيوت و استباحت الأعراض و تلاشت معها القيم المجتمعية .
فلم يعد أمام الشعوب إلا أن تكشف عن تراثها و تطلقه في وجه عالم اليوم الذي يستهدف هويتها و كيانها.
وزيادة علي ذلك البعد فإن التراث اليوم صار دافعا للتنمية .
وبالتالي فإن القائمين علي شأن قطاع الثقافة و المهرجان مطالبون أكثر من أي وقت مضي
بالتفكير بالإرتقاء بمستوي عمل مهرجانات مدائن التراث و تطويره في اتجاه البعد الثقافي و العلمي و الإقتصادي
و التوفيق بين مختلف الأبعاد المطروحة من ثقافة و ترفيه و تنمية و فرض للهوية .
و استحداث الجديد علي غرار ما حصل مع تبني مهرجان جول الثقافي بتعليمات من فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني،
انصافا لأهل الضفة من أجل إبراز البعد الثقافي و التراثي لدي الساكنة و الدفع بعجلة التنمية داخل المنطقة .
لتشمل مجالات داخل الفضاء الثقافي و المعرفي من قبيل المطالبة بدمج فعاليات توزيع جوائز شينقيط ضمن انشطة مهرجانات مدائن التراث مما سيخدم الحدث عرضا و بحثا في إطار إحياء التراث و الحفاظ علي الهوية و تثمين الخصوصية و تعميق البحث العلمي في مجال التراث و إعطاء الحدث بعدا دوليا إضافة إلي بعده الوطني.
كما سيكون من المفيد دمج أنشطة معرض الأيام الوطنية للصناعة التقليدية في قادم المناسبات
ضمن فعاليات مهرجانات مدائن التراث .
لما يمثله من مضمون ثقافي و فني عظيم يعتمد علي التراث ويعطي للحدث بعدا تنمويا أكثر و إقتصاديا إضافيا.
مبرزا أهمية الحرف اليدوية الموريتانية و تميزها في مجال التراث .
إذا كان البعد الإحتفالي ضروريا في العمل المهرجاني فإن الإحتفاء بالتراث هو في النهاية عمل له ابعاد اقتصادية و ثقافية و اجتماعية متنوعة .
ينبغي أن تتجسد علي أرض الواقع حتي لا تذهب جهود الجميع في مهب الريح .
حفظ الله موريتانيا
اباي ولد اداعة .













