قراءة لخطاب فخامة رئيس الجمهورية في ضوء مفهوم دولة المواطنة وأمام أطماع القبيلة و جشع الموظفين/ اباي ولد اداعة

ثلاثاء, 11/11/2025 - 23:44

تتعارض دولة المواطنة مع الولاءات القبلية و النزعات الشخصية للموظفين ، 

حيث أن المواطنة تتطلب المساواة في الحقوق و الواجبات بين جميع أفراد المجتمع أمام القانون و علي نحو عادل بغض النظر عن الإنتماء العرقي أو القبلي .

بينما يميل نظام القبيلة إلي المحاباة و التمييز علي أسس عائلية أو جهوية و علي حساب بقية أبناء الوطن .

بالتأكيد ولوج أو تدرج الموظفين إلي المناصب العليا عن طريق المحسوبية أو المحاباة ،

يتعارض مع مبدأ الإستحقاق و الكفاءة .

مما يقوض أسس دولة المواطنة المبنية علي العدالة و سيادة القانون .

بحيث تصبح المواطنة مجرد مفهوم نظري غير مطبق علي أرض الواقع .

جرت العادة أن تأتي الزيارات الرئاسية الرسمية داخل الوطن في أجواء إحتفالية حماسية تنافسية يتم فيها إستقبال رئيس الجمهورية بحرارة بالغة .

وسط حضور و حشد شعبي كبير و كبير جدا ، 

تحركه و تؤطره أطراف وازنة من الأعيان و شيوخ القبائل و رجال السياسة و المال و الأعمال و أطر و موظفي الدولة .

بهدف إظهار الإجماع الشعبي و الرضا العام و تأكيد الولاء للنظام

مقابل التعيين و تمكين أبناء القبيلة .

و هو ما عزز من نفوذ القبيلة داخل المشهد السياسي و مفاصل الدولة و علي نحو أستباح إستغلال النفوذ الوظيفي .

أمام الإندفاع الكبير و الإنصياع الأعمي لعادات وتقاليد و طقوس إستقبال أملتها ظروف الديمقراطية الخاطئة 

و ما يصاحبها عادة من إسراف و تبذير و تبديد للمال لا حدود له و بشكل كرس

البعد القبلي و مجد الأعيان و أبناء القبيلة.

يأتي هذا في زمن راجت فيه خطابات الكراهية و التحريض علي العنف و الترويج للشرائحية بشكل واسع داخل البلاد، 

و هو ما ساهم بشكل أو بآخر في العودة القوية للدور المتعاظم للقبيلة في إذكاء العصبية و إثارة النعرات الضارة التي تعيق نهوض و تقدم الوطن .

و تدفع الناس إلي نصرة الظالم علي المظلوم دون الإحتكام إلي القضاء الوطني .

و التي قد تتطور إلي ملاسنات فظة علي صفحات التخاصم الإجتماعي. 

أو تتنهي بصراعات يسيل فيها دم الإخوة من أبناء الوطن الواحد جعلت منهم القبيلة ألد الأعداء .

خاصة في ضوء ما يحصل من تصادم و عراك قبلي ،

يتجدد من موسم لآخر بسبب نزاع عقاري قديم و حقد دفين أو صراع علي موارد مائية .

و هو ما يعد خروجا صريحا علي دولة القانون و المواطنة يقوض مفهوم و هيبة الدولة .

قد يشكل خطرا حقيقيا علي السلم الإجتماعي و التعايش الأهلي و الإستقرار السياسي .

إذ لا يختلف إثنان علي أن القبيلة هي نقيض الدولة و إن الولاء للقبيلة بدل الوطن يلغي مفهوم الوطن .

و عليه فإن القبيلة بالمفهوم السياسي تشكل عائقا أمام بناء دولة المواطنة الحديثة التي تستند إلي الشرعية و المواطنة و الكفاءة و هي القيم التي تناقض أعراف و تقاليد و عادات القبيلة القائمة علي القرابة و الولاء و الإتباع و العصبية و الإنحياز .

في حين يجمع كل المحللين و المراقبين علي أن إتساع نفوذ القبيلة لم يكن وليد اللحظة بقدر ما هو إمتداد لتاريخ طويل من التواجد السياسي و إستغلال الحكومات نفوذ القبيلة لتأدية أدوار سياسية ،

خصوصا في أوقات الأزمات السياسية و الفراغ المؤسسي في ظل أعتماد النظام الحاكم علي الأعيان و النافذين داخل المجتمع من أجل ضمان المقعد الإنتخابي و استمرار الحكم .

و هو ما ادي إلي تعاظم قوة القبيلة

 و أسس لمرحلة من الممارسة السياسية الخاطئة و الظالمة منذ إنطلاق العهد الديمقراطي. 

في الوقت الذي تنظر فيه النخب الوطنية الفاسدة للدولة علي أنها بقرة حلوب ،

 كما تري بأنها مجرد مصدر للثروة و الإستفادة الشخصية .

حيث يسعون لإستغلال مواردها و مؤسساتها لمصالحهم الخاصة ،

دون النظر لمصالح الشعب أو التنمية المستدامة ،

مما يجعل الدولة عرضة للتدهور. 

 نتيجة لما سبق ذكره و للتراخي و التمايز الحاصل في تطبيق القانون و غياب العدالة الإجتماعية و ظهور علامات الثراء الفاحش غير الشرعي و انتشار الفساد في كل تجلياته دون مساءلة أو محاسبة ،

حيث تعد القبيلة بيئة مناسبة و محمية و حاضنة للفساد .

 ظروف كرست للحكم الأحادي في المراحل السابقة و إعلاء صوت القبيلة علي حساب صوت الوطن .

أسست لمرحلة من التعاطي الديمقراطي السلبي .

خدم الأنظمة الحاكمة المتعاقبة و زاد من حالات الظلم و الغبن و التهميش و إتساع الفجوة بين طبقات المجتمع .

و خلق قيما مجتمعية وطنية بديلة خاطئة أطغت علي مختلف مناحي الحياة السياسية و الإجتماعية كالنفاق السياسي و الكذب و النفوذ القبلي و انتشار الفساد و سوء الإدارة و التسيير و إستغلال النفوذ. 

حيث أعتادت المواسم الإنتخابية منذ عقود سيطرة الإعتبار الشخصي و النفوذ القبلي و الجهوي في تحديد وجهة التصويت لصالح النظام الحاكم علي حساب عامل الولاء الحزبي أو الوطني. 

رغبة في التوظيف أو التعيين او التوزير أو تمكين أبناء القبيلة ، دون الإلتزام بمبدأ الجدارة و الكفاءة و الإستحقاق .

بل الإعتماد علي معايير مزدوجة و سياسات إنتقائية علي مستوي التعيينات في الوظائف الحكومية أو الدبلوماسية أو المناصب العليا أو إدارة المؤسسات من قبيل القرابة و المصاهرة و إقتراحات شيخ القبيلة و أخذ الإعتبار ببعض التوازنات القبلية دون غيرها و الولاء الحزبي و المناطقي و المحاباة و الزبونية أو تدوير مفسدين و هم في حالة دفع مسروقات سابقة في مناصب عليا ،

كما يتم منح الصفقات العمومية بالتراضي لرجال مال و أعمال و أصحاب نفوذ دون غيرهم من أبناء الوطن .

مما عزز من نفوذ القبيلة و كرس البعد الجهوي و قوض مفهوم دولة المواطنة .

من جهة أخري يتنزل خطاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني 

أمام ساكنة انبيكيت لحواش ضمن جولته الأخيرة داخل الوطن ،

في سياق تأكيد بناء الدولة الحديثة علي قيم المواطنة و الإنصاف .

و ليس علي الإرث الإجتماعي القديم .

حيث لامس مكمن الوجع

كما شدد الخطاب أيضا علي أن هذا المشروع ليس مجرد شعار ،

بل هو مسار وطني شامل يتطلب وعي النخب و تكاتف الجميع .

فهذا النوع من الخطابات يهدف إلي تقوية الوحدة الوطنية و الإهتمام بجميع مناطق البلاد ،

و يؤكد علي أن الجميع جزء من نسيج وطني واحد و أن لديهم حقوقا و واجبات متساوية .

بغض النظر عن القبيلة أو الجهة التي ينتمون إليها ،

فبناء الدولة و المستقبل يعتمد علي مشاركة جميع المواطنين و إلتزامهم بوطنهم ،

حيث تم الربط بين خطاب فخامة رئيس الجمهورية و الفعل التأسيسي 

بما يوضح أن الرئيس يتحدث من منطلق العمل الميداني و ليس فقط من موقع الخطابة .

بدليل الإجراءات العملية الصارمة التي أتخذها علي الفور و التي صاحبت الخطاب من قبيل : 

. حظر مشاركة و حضور موظفي و اعوان الدولة أي إجتماع ذي طابع قبلي أو جهوي أو نشاط يتنافي مع مفهوم الدولة. 

. تحريم النزاعات القبلية إثر إستغلال مساحات أرضية من أجل المصلحة العامة كالأراضي الزراعية أو الموارد المائية .

. عدم التساهل أو التسامح مع أي دعاية ذات طابع عنصري أو شرائحي. 

فهل يعقل في ظل دولة القانون و المؤسسات أن يتم االإحتكام إلي القبيلة و الخوض أو التعاطي في قضايا و جرائم معروضة أمام القضاء الوطني ؟!

إن الوقوف في وجه النفس القبلي المتصاعد المنافي لمنطق الدولة الحديثة ،

يقتضي ضرورة العمل علي بناء مشروع إجتماعي إقتصادي وطتي متكامل يساهم في غرس و تطوير قيم المواطنة و حب الوطن و صون الوحدة الوطنية بما يحقق الترابط الإجتماعي في إطار الوطن الواحد و الدين الواحد و حقوق الإنسان و قوانين الدولة .

و الإلتزام بالترفع عن أكل المال العام و تغليب المصلحة العامة علي الخاصة. 

من خلال وضع إستراتيجية وطنية محكمة تهدف إلي تعميق الإنتماء الوطني وفق أصوله السليمة و الحضارية، 

تؤسس لحماية وحدته الوطنية من كل التحديات و المخاطر الداخلية و الخارجية ، حيث تعتبر الوحدة الوطنية المرتكز الأساسي في إستقرار الدول و نمائها و التي يقوم عليها البناء الوطني السليم .

و بالتالي تشكل هدف التنمية السياسية و غايتها الأولي. 

صحيح أن أهداف ترسيخ و تعزيز مفهوم القيم لا تتحقق بمجرد تسطيرها و إدراجها ضمن الوثائق الرسمية بل يستوجب ترجمتها إلي إجراءات فعلية و عملية .

و أن المرحلة الراهنة تتطلب أكثر من أي وقت مضي إرادة جادة و صادقة في إحداث التغيير المنشود عبر إرساء سياسات إصلاح ناجحة و عدالة تذوب فيها كل الفوارق الإجتماعية و تقسيم عادل للثروة تزول من خلاله حالات الظلم و الغبن و التهميش و الإقصاء . 

تتحقق خلالها تنمية مستدامة تتيح معيارا مقبولا للعيش الكريم .

و تعمل علي تعزيز دولة القانون و المؤسسات .

فإلي متي ستظل الدولة رهينة أطماع القبائل و الأشخاص ؟

بالتأكيد الوطن سيبقي إن شاء الله و ستتلاشي الأطماع و تتواري الأشخاص و القبائل و لو بعد حين !

 

حفظ الله موريتانيا

   اباي ولد اداعة .

إعلانات

 

إعلان