التخلص من مظاهر الإسراف و التبذير لا يتأتي من سن القوانين و تبني القرارات بشأنها فقط بل يتطلب تغييرا جذريا في العقلية و السلوك/ اباي ولد اداعة

جمعة, 11/07/2025 - 22:02

التخلص من مظاهر الإسراف و التبذير 

لا يتأتي من سن القوانين و تبني القرارات بشأنها فقط 

 بل يتطلب تغييرا جذريا في العقلية و السلوك .

 

 

أصدرت الحكومة الموريتانية ممثلة في وزارة التجارة و الداخلية مؤخرا ،

قرارا يمنع و يحرم رمي الأوراق النقدية في المناسبات الإجتماعية و داخل قاعات الحفلات .

و علي نحو يلزم مسؤولي قاعات الحفلات التوقيع علي دفتر الإلتزامات لضمان تطبيق قرار منع و حظر هذه الممارسات بإعتبارها تصرفا غير قانوني و غير منسجم مع القيم الدينية يستوجب العقوبة .

و هو ما أثار جدلا واسعا عبر وسائل التواصل الإجتماعي حيث تباينت الآراء حوله و أنقسم الشارع بشأنه ما بين :

مؤيد يري أن القرار صائب بإعتباره يتماشي مع القيم الدينية و المجتمعية و يحافظ عليها و يحد من الظواهر السلبية و يقطع الطريق أمام المبذرين الذين و صفتهم الآية الكريمة من سورة الإسراء بأشباه الشياطين في الشر و الفساد و المعصية .

 في قوله تعالي : ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفورا .. ) صدق الله العظيم .

كما يدخل هذا القرار ضمن الحرب المعلنة علي الفساد بهدف إستئصاله من منابعه.

و معارض للقرار يري أنه يقيد و يحد من عادات و تقاليد متأصلة في المجتمع شكلت علي مر العصور مصدر قوت و دخل لآلاف الأسر و العوائل و فئات إجتماعية عريضة .

تتباكي اليوم بشأن هذا الإجراء .

حيث يرون بأن القرار يمثل تقييدا للفن و الإحتفالات ،

و يهدد الفنانين الذين يتقاضون أموالهم من هذه الممارسة .

و يشعرون بالقلق بشأن تداعيات هذه الخطوة غير مسبوقة و التي تهدد مصالحهم .

نعم سلوك البذخ و التبذير هو مسؤولية مشتركة تقع علي عاتق الأفراد و المجتمع و علماء الدين و مؤسسات الدولة .

لا يمكن إختزالها في أي حال من الأحوال في شخص صاحب محلات أو قاعات حفلات ( مؤجر ) أو فنان ( منعش حفلات ) دون غيرهم .

فتغيير عقلية المجتمع لا يمكن أن تحدث فجأة بين عشية و ضحاها، 

بل هي عملية تدريجية تتطلب صبرا و تضافر جهود الجميع حكومة و شعبا بحيث تتفاعل فيها عوامل متعددة ( سياسية ، إقتصادية ، إجتماعية ، تربوية ، إعلامية ...) .

كما تتطلب أيضا بناء ثقافة تغيير .

تغير ما بالأنفس عبر المدي المتوسط و الطويل و تزيل الفساد المستشري في الذهنيات، 

لينتقل التغيير من الفرد إلي الجماعة و يؤثر في المؤسسات و الأنظمة و يحدث تحولا حضاريا مستداما .

نزولا عند الآية الكريمة من سورة الرعد ( إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ) صدق الله العظيم .

في حين يجمع بعض المراقبين للشأن الوطني أن القرار سوف لن يكون قابلا للتطبيق بشكل عملي علي غرار ما حصل في السابق ،

حيث أصدرت الحكومة أنذاك جملة قرارات و تحذيرات من المبالغة في التبذير و أعلنت عن تشكيل لجنة وزارية من أجل وضع خطة عمل صارمة للتصدي لمختلف مظاهر الفساد و البذخ في المناسبات الإجتماعية و الوقوف ضد كل المسلكيات المخالفة لمقتضيات تعاليم شرع الله .

في الوقت الذي أصدر فيه المجلس الأعلي للفتوي و المظالم هو الآخر فتاوي في ضوء ما لوحظ من تبذير غير مسبوق في المناسبات الإجتماعية و إسراف في الولائم و تحضير الهدايا ....الخ .

ممارسات صنفت بأنها منكر لما يترتب عليها من محرمات و ما ينشأ عنها من مفاسد .

رغم ذلك كله لم تر الخطة النور حتي الآن .

و لم يتم إسقاطها علي أرض الواقع. 

كما تبني أيضا في هذا الصدد الإتحاد الوطني لأرباب العمل مبادرة لتيسير الزواج و التكفل بالرسوم و الإكتفاء بالمستور إجتماعيا ،

تدخل ضمن ميثاق البناء الأسري الذي أعلن عنه أنذاك في مسعي منه لمنع ما سماه إنتشار سلوك البذخ و التبذير في المناسبات الإجتماعية.  

بدعم الشباب بمبلغ مالي قدره 50000 أوقية قديمة و توفير فرص عمل لهم بعد الزواج في خطوة لاقت ترحيبا و اسعا لدي رجال الدين و من داخل بعض الأوساط الإجتماعية، 

أخذت زخما إعلاميا كبيرا لا حدود له .

قبل أن تختفي هذه المبادرة عن الأنظار دون ان تسفر عن أي زواج لشباب يذكر بالشروط المعلنة ،

اللهم إذا كان سري للغاية .

في ظل المخاوف من أن تتحول مبادرة أرباب العمل لتشجيع الزواج السري المنتشر بشكل كبير و كبير جدا داخل المجتمع .

هذا وقد أصدرت الداخلية الموريتانية منذة فترة طويلة تعميما يمنع علي السلطات الإدارية منح تراخيص لأي تجمعات ذات طابع قبلي أو نشاط يحمل عنوانا قبليا .

و يحظر عليها إستلام طلبات الترخيص المقدمة تحت هذا المسمي .

إلا أنه سرعان ما تم تجاوزه و تجاهله من طرف الأعيان و شيوخ القبائل و كل النخب الوطنية و السياسية بمختلف مشاربها .

لا يخفي علي أحد أن الإسراف و التبذير و الفساد أضحي ثقافة و سلوكا و ممارسة سائدة و تقاليد راسخة داخل المجتمع و هواية متأصله لدي نخبنا الوطنية بدافع التفاخر و التباهي في مختلف المناسبات الإجتماعية و السياسية و غيرها في ظل غياب المساءلة و المحاسبة. 

نحن مجتمع غريب ،

( الكذب عندنا حرام و الحق ماينقال )

ننبذ الفساد من جهة و نتعايش و نتعاطي معه من جهات و مواقع أخري .

بالتأكيد لا يقتصر الإسراف علي سلوك الأفراد بل يمتد إلي سلوك الحكومات و قرارات الدول .

بحيث يري بعض المحللين أن إسراف فرد في طعام أو ملبس أو مظهر أو زواج أثره محدود عليه و علي أسرته ،

أما إسراف الدول و الحكومات فنتائجه تتجاوز الأجيال و تهدد مصير الشعوب ،

فحين تسرف الدول و تهدر الميارات علي ما لا طائل منه و تدمن الحكومات علي الإقتراض فإنها تضع نفسها علي طريق الإنهيار. 

إن حب الظهور علي هذا النحو الذي نلاحظه و نشاهده من حين لآخر أثناء زيارات رئيس الجمهورية داخل الوطن و بهذا الاندفاع الكاذب و الولاء الزائف و المخادع وسط حضور جماهيري و شعبي كبيرين تم حشدهم و الدفع بهم من العاصمة انواكشوط .

إضافة إلي إستعراض آخر صيحات سيارات رباعية الدفع و بأعداد هائلة و كثيرة جدا .

ما هو إلا مظهر من مظاهر الحشد القبلي و الجهوي و نمط من أنماط البذخ و الإسراف و التبذير و الفساد .

فالبذخ و الإسراف و التبذير ملة واحدة ليس ثمة صنف محظور و آخر محبوب .

و لا هناك إسراف ممنوع منعا باتا و آخر بات ضرورة لتمرير مصالح معينة .

تأسيسا لما سبق فإن التخلص و القضاء علي مظاهر البذخ و الإسراف و التبذير يتطلب إرساء قيم المشاركة بين مختلف المؤسسات داخل المجتمع ( الدولة ،الأسرة ، قطاع الشؤون الإسلامية، قطاع المرأة و الشؤون الإجتماعية ، منظمات حقوق الإنسان ، المجتمع المدني ...) .

بالإضافة إلي تفعيل دور المؤسسات التعليمية و الإعلامية .

في محاولة لبناء منظومة جديدة من الأفكار و المعتقدات قد تكون أكثر تناسبا مع الواقع و ملاءمة للتحديات و الظروف الراهنة .

مع إعداد وثيقة مجتمعية تعرض أمام المشرع تأخذ طابعا رسميا يلتزم بها جميع أفراد المجتمع .

ستحدث قطيعة تامة مع كل الممارسات الخاطئة .

لأن الواقع يتطلب أن يخرج البديل أو الحل من المجتمع ككل و لا تنفرد به جهة دون أخري ،

مع التركيز علي إتخاذ تدابير وقائية و علاجية .

 

حفظ الله موريتانيا                 

   اباي ولد اداعة .

إعلانات

 

إعلان