
ليس من الطبيعي أن لا تتصدر الجهات المستفيدة من النظام من حكومة، ومنتخبين، وهيئات أرباب العمل، وأحزاب الأغلبية، وكبار الأطر الصفوفَ الأمامية في الدفاع عن المشروع الوطني لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، خصوصًا في مواجهة الحملات العدائية التي تقودها جهات متطرفة، وأخرى معروفة بعدائها الممنهج للنظام.
وكان اخرها محاولات التشويش ،التي عقبت زيارة فخامته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، من حملة إعلامية ممنهجة، سعت إلى التغطية على تحوّل استراتيجي نوعي في العلاقات، تمثّل في الانتقال من منطق المساعدات إلى شراكة استثمارية، وضمان حماية الصادرات، واعتماد موريتانيا شريكًا موثوقًا في استثمارات الموارد الاستراتيجية، مع بلد يتصدر المشهد الاقتصادي العالمي.
ان الواقع السياسي الراهن ،ودون التقليل من الجهود المؤسسية القائمة في مجال التوجيه والتعبئة، يُظهر مفارقةً تستحق التوقف، إذ يُلاحظ غيابٌ تام لكثير من هذه النخب عن ساحة الدفاع العلني عن النظام، رغم استفادتها المباشرة من استقراره السياسي والاقتصادي، في وقت تتزايد فيه محاولات التشويش المنظّمة، الهادفة إلى تقويض ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، من خلال حملات تشكيك وتشويه لا تتردد في استهداف رموز النظام وخياراته الإصلاحية.
وبعيدًا عن أي مزايدة أو تبخيس للتمثيلات الحزبية والمؤسسية القائمة، يبرز وبقوة صوتُ المساندة الحقيقية، الصادقة والواعية، من طيف وطني واسع يضم مئات الشباب المثقفين، وطلاب الجامعات، ورواد العمل المدني، والهيئات المهنية، والدكاترة الجامعيين، والمقاولين غير المصنّفين، ممن وقفوا إلى جانب فخامة الرئيس بإيمان نزيه، وما زالوا يُدافعون عن مشروعه بوسائلهم الخاصة، خارج الأطر التقليدية، ومن دون امتيازات.
لقد منح هؤلاء دعمًا انتخابيًا ناضجًا ومقنعًا، ودفاعًا إعلاميًا وفكريًا مستميتًا عن مشروع الإصلاح، وهم فاعلون حقيقيون، لا تغيب أسماؤهم عن سجلّ المساندة الوطنية، ولا عن المشهد الإعلامي والفكري.
وفي إطار ما يتيحه النظام من مرونة سياسية وانتقال مؤسسي هادئ، ينتظرون بحق أن يجدوا تمثيلًا مؤسسيًا مستحقًا داخل المنظومة، لا أن يُتركوا على هامش القرار لصالح شبكات مغلقة تحكمها اعتبارات متجاوزة، لا تنسجم مع طبيعة المرحلة، ولا مع روح التحول الذي يقوده فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
وكما بيّنت التجارب السياسية الحديثة، فإن الشرعية المؤسسية لا تكتمل إلا حين تلتقي مع الشرعية المجتمعية في نقطة توازن تعزز استقرار النظام، وتحميه من الاختلالات التراكمية التي تفرّغ النظام من محتواه الشعبي.
ومن هذا المنطلق، فإن تمكين هذا الطيف المجتمعي لم يعد خيارًا تنظيميًا ظرفيًا، بل ضرورة سياسية استراتيجية تُكرّس المشروع وتوسّع قاعدته الحية.
وإذا كان التحدي الظاهر يتمثل في مواجهة حملات التشويش والتضليل، فإن التحدي الأعمق يتمثل في تعزيز متانة النظام من الداخل، عبر توسيع قاعدة تمثيله الفعلي، وتجديد نخبه ضمن رؤية وطنية جامعة.
إن إدماج القوى التي ساندت المشروع الإصلاحي منذ بداياته بفكرها، والتزامها، ومصداقيتها المجتمعية لا يُعد مطلبًا ظرفيًا، بل خيارًا استراتيجيًا يُعزز الانسجام داخل البنية السياسية، ويُعيد توجيه الرصيد الشعبي إلى مؤسسات الدولة، في لحظة مفصلية تتطلب مضاعفة أدوات التثبيت لا الاكتفاء بما هو قائم.
وليس من باب إعادة التوزيع القسري للأدوار، بل من باب الاستيعاب الواعي لمنح الثقة لأولئك الذين حموا المشروع في وعي المواطنين، وتقدموا طواعية للدفاع عنه دون انتظار مقابل، فهؤلاء لا يُعوّل عليهم في الأزمات فقط، بل يُبنى بهم المستقبل السياسي للنظام بثقة واستباق.
والضرورة الاستراتيجية التي تعالج الحاضر، وتستشرف المستقبل، وتتوخى توطيد قوة النظام واستدامة شرعيته، لا تكتفي بالدعوة، بل تُلزم بابتكار آليات مؤسسية مرنة، تراعي الكفاءة، والالتزام، والتفاعل المجتمعي، وتُفضي إلى إدماج منضبط وشفاف يُثري المنظومة دون المساس بتوازناتها الراهنة.
إن الإصلاحات الجوهرية التي أطلقها فخامة الرئيس في مجالات إعادة هيكلة الاقتصاد، وتكريس العدالة الاجتماعية، وتوسيع الحريات، وتحقيق التوازن المؤسساتي، تؤكد بجلاء أننا أمام مشروع حكم يرتكز على العمق الوطني،
ويبحث عن المأسسة من خلال التوسيع التشاركي للشرعية، لا من خلال إعادة إنتاج شبكات النفوذ القائمة على المصالح الضيقة أو العلاقات الخاصة.
وعليه، فإن الوفاء لهذا النهج الإصلاحي يقتضي اليوم تعزيز انخراط القوى المؤمنة بالمشروع في دوائر التأثير وصنع القرار، وتوفير قنوات تواصل مؤسسية تُعيد للتوازن الوطني منطقه الطبيعي، وتفتح أفقًا سياسيًا جديدًا أمام جيل اختار أن يُساند لا أن يُساوم، وأن يُشارك لا أن يُقصى.
سيدي ولد إبراهيم ولد إبراهيم خبير محاسبي ، فاعل سياسي.