إذا كانت المدن تعتز برجالها الذين صنعوا أمجادها، فإن مدينة شنقيط ستظل تفخر بابنها البار أحمد ولد الدي، الذي جمع بين عبقريته الإدارية ورؤيته التنموية، ليترك أثرًا خالدًا في سجل موريتانيا الحديث. أحمد ولد الدي لم يكن مجرد إداري؛ بل كان رمزًا للتفاني والعمل الجاد الذي أسس لبناء دولة حديثة، تُكافح تحديات الماضي برؤية استشرافية.
وُلد أحمد ولد الدي عام 1939 في أحضان مدينة شنقيط التاريخية، حيث نهل من معينها الروحي والعلمي، فاستهل مسيرته التعليمية بالمحظرة التي غرست فيه قيم الأصالة والانضباط، قبل أن يتابع دراسته الابتدائية في شنقيط. تطلع أحمد إلى آفاق أوسع، فانتقل إلى نواكشوط، واضعًا بذلك أساسًا علميًا قويًا قاده إلى مسيرة مهنية فريدة.
بعد سنوات قليلة من عمله مترجمًا في إذاعة موريتانيا، شق طريقه نحو المدرسة الوطنية للإدارة، التي كانت بوابة عبوره إلى عالم الإدارة المدنية. كان أحمد ولد الدي، موظفا حكوميا، وإداريًا واعيا أن الإدارة ليست سلطة فقط، بل مسؤولية. شغل منصب حاكم في كل من بوتلميت، بوگي، النعمة، گرو، ولاته، ولعيون، وصولًا إلى مناصب قيادية كوالٍ مساعد لنواكشوط ثم انواذيبو. في كل محطة، كان يعمل بحنكة وصرامة، تاركًا أثرًا واضحًا في تنظيم الإدارة وتقريبها من هموم المواطن.
شهدت الستينيات من القرن الماضي ميلاد تيار شبابي طموح رفض الجمود الذي كبل المجتمع الشنقيطي لعقود. كان أحمد ولد الدي من بين هؤلاء الشباب الذين نادوا بالتغيير. كسر القيود القبلية التي كانت تُثقل كاهل التنمية، وارتقى بفكر يُعلي من شأن الإنسان كركيزة أساسية للتطوير. قادته رؤيته هذه إلى المساهمة في إعادة صياغة أولويات الإدارة الموريتانية، لتصبح أداة للتحديث بدلاً من البيروقراطية الجامدة.
لم تكن حياة أحمد ولد الدي خالية من المواقف الصعبة التي تتطلب شجاعة استثنائية. ففي عام 1977، خلال هجوم جبهة البوليساريو على مدينة ولاته، برز اسمه كقائد إداري وأمني بارع. قاد مجموعة من أعوان الأمن بجرأة، حيث نجح في التصدي للهجوم، وحمى المدينة من كارثة محققة.
رحل أحمد ولد الدي، لكنه ترك إرثًا إداريًا وإنسانيًا عظيمًا. كان نموذجًا للإداري العصري الذي يجمع بين المعرفة، الكفاءة، والتفاني. تُذكَر سيرته بكل فخر، حيث قدم نموذجًا يُحتذى في الالتزام بخدمة الوطن.
لقد كان أحمد ولد الدي رجلًا تجاوز حدود الزمان والمكان، ليبقى في الذاكرة رمزًا للتحديث والبناء. رحمة الله عليه، وأسكنه فسيح جناته، وجعل إرثه نبراسًا للأجيال القادمة.
قليل من كثير هذا ابي وحق لي ان افتخر
منقول البراء ولد محمدن