تحليل حول ما يجري حاليا من تضارب في المعلومات وتفشي لظاهرة التسريبات / سلطان البان

أربعاء, 10/09/2024 - 13:26

#تحليل| يبدو أن الرأي العام الوطني يشد اهتمامه ما يجري حاليا من تضارب في المعلومات وتفشي لظاهرة التسريبات والأقاويل السافرة والخارجة عن دائرة المنطق والتي ساهمت فيها وسائط الاتصال بشكل كبير جدا، حول حقيقة ما يجري، لكن دعونا في البداية نعرض بعض التفاصيل المهمة والاستقراء التاريخي لمثل هذه الأحداث والتسريبات، و قبل ذلك نعيد صياغة القضية المعروضة اليوم أمام القضاء، بشكل دقيق وواضح، المسألة لا تتعدى شكاية ضد مواطن اتهم أفراد أسرة بممارسة أنشطة "مخالفة للقانون" بحسب التوصيف الرسمي الذي جاء في بيان النيابة, وانطلاقا من ذلك، فتحت النيابة العامة تحقيقا في يوم 18 سبتمبر 2024، للوقوف على حقيقة التهمة، إذا نحن أمام قضية واضحة ومحددة، بالمفهوم القانوني نحن أمام قضية جنحة، في قانون العقوبات، ومسألة عادية جداً، لكن كيف تطورت القضية من جنحة بسيطة إلى ملف معقد يضم تحقيقات شاملة؟

#الشائعات| في مجتمع بدائي يستخدم وسائط الاتصال بإفراط, مما يساهم في تفشي المعلومات المضللة والضارة، لا تستغربوا من انتشار الشائعات والصوتيات والصور و الفيديوهات، وإن كنتم تتذكرون جيدا أيام اجراء التحقيقات في ملف العشرية، وملاحقة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وأفراد عائلته، حجم المعلومات الكاذبة والتهويل الذي يتداوله البسطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يذهب بعضها إلى القول أن الرئيس ولد عبد العزيز لديه محميّة بها منزل في الأرض مليئ بسبابيك الذهب، وبها أموالاً كثيرة، بعضهم استخدم صورا من السودان تعود للرئيس السوداني السابق عمر البشير على أساس أنها أموال الرئيس السابق، وهكذا ظلّ الموريتانيون يتداولون كم هائل من المعلومات والشائعات الكاذبة التي انتشرت بين النّاس، وهذا المشهد يتكرر عندما يكون الحديث عن المال ولفساد والجريمة بشكل عام، بالتالي المعلومات المتداولة اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هي جزء من الشائعات والفراغ الذي يعيشه رواد مواقع التواصل الاجتماعي في ظل غياب التصريحات الرسمية.

#التحقيق| مبدئيا دعونا نذكركم أن القانون الموريتاني لا يمنع على أي مواطن أن يمتلك ترليونات من الدولارات في حسابه الشخصي أو في بيته نقداً، مادامت من مصادر معروفة والسلطة على علم بها، فإذا اشتبهت الدولة في بُعدها الرقابي في دخول أموال غير شرعية، فإنها ستتحرك فورا وتجري تحقيقا دون الحاجة لشكاية لأن ذلك يشكل تهديدا على النّظام نفسه، بالتالي هذا يعزز فرضية أن الأموال المملوكة للأسرة تحت عيون السلطة وعلى علم بحركتها حسب تصريحاتهم, وهذا ربما يفسّر لنا الهدوء الذي نشاهده اليوم من أسرة "أهل الشيخ أياه" فمعلوم عند المختصين أن المذنب عندما تتحرك السلطات ضدّه ويتداول النّاس خبره يصاب بالارتباك والخوف والاضطراب النّفسي، مما يجبره على التصرف أو الهروب أوغير ذلك من التصرفات التي يتوقعها المحققون، لكن العكس تماما، هناك هدوء تام عند أفراد هذه الأسرة المعنيين بالدرجة الأولى بهذه القضية، وعدم وجود أي صوتيات منهم، تهدد الدولة أو أي رد فعل تجاه التسريبات التي تسيء لهم، رغم أني كنت ضد تسجيل العزّة بنت الشيخ أياه لصوتياتها، فلو كنت منها بمنزلة المستشار لنصحتها بعدم الرد على ما يتداوله البَسطاء، وليكن ردّها على الجهات الرسمية دون سواها، لأنّ الصوتية  كانت خطأ فادحا استغلها العديد و وظّفها لتآويل مختلفة.

#البُعد_الدولي| إن التحوّل الذي يعيشه ملف القضية يرتبط أساسا بدخول البُعد الدولي في قضية تهريب الكوكايين والإتجار بالبشر خصوصا بعد لقاء السفير الامريكي في نواكشوط بوزير العدل الموريتاني، وبعد زيارة رئيس الوزراء الاسباني الأخيرة، حيث قدّم الجانبين طلبا بضرورة اجراء تحقيق ومعرفة كيفية تمكن المهربون من اجتياز موريتانيا وتحويلها إلى منفذ رئيسي لتهريب المخدرات في دول الساحل، تزامن هذا الملف الدولي المعقد و المرتبط بتهريب الكوكايين والاتجار بالبشر مع قضية الجنحة المعروضة عند القضاء، وربط البُسطاء هذه الأحداث مع بعضها، السلطات الموريتانية مضطرة لاجراء تحقيقا شاملا وتنظر في جميع نقاط الصيرفة التقليدية مع تشديد الرقابة الحدودية، وستخرج في نهاية المطاف بتقرير عن حالة البلد العامة ومصدر الأموال المتداولة، وتعطي نتائج التحقيق للجهات الدولية المختصة، خصوصا أن الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الأمريكية تدعمان  جهود موريتانيا في مكافحة هذه الظاهرة، وهذا هو التفسير الوحيد لكل ما نراه من توسيع في دائرة هذا التحقيق.

أما بخصوص المدون عبد الرحمن ودادي فيعود السبب الرئيسي لتوقيفه إلى البث الأخير الذي قام به على صفحته و التساؤلات التي طرحها عن الكلاب البوليسية، حيث اعتبر الدّرك الوطني التلميح أنه اتهام للدرك ورميّها بالتقصير تجاه أداء الواجب الوطني، ضف إلى ذلك عدم التزامه بالتعهد الذي أخذه من عند الدرك، و من الناحية القانونية توقيفه لا يتجاوز 48 ساعة مع التجديد مرة واحدة دون احتساب أيام العطلة، و أتوقع اخلاء سبيله بوم الخميس القادم، أو تتم إحالته إلى وكيل الجمهورية لتوسيع مسطرة البحث، حسب قانون الاجراءات الجنائية، الذي يحدد فترة الحراسة النظرية بشكل واضح، خصوصا أن المعني قدّم من الأدلة روابط لمواقع الإخبارية وصورة فوتغرافية للطائرة المثيرة للجدل، وهذا لا يمكن الاعتماد عليه لإصدار قرار ولا يعتبر أدلة، بالتالي سيتم توسيع نطاق التحقيق وإصدار قرارا بشأن القضية وإعادة الاعتبار للمتضررين في حال عجزه عن إثبات أقواله.

Sultan Elban سلطان البان
09-10-2024
LONDON

إعلانات

 

إعلان