الجهة كمستوى ثان من اللامركزية. / سيد محمد بيدي *

ثلاثاء, 07/16/2024 - 01:02

أنشئت الجهة بموجب الدستور والقانون النظامي ووفقا لمبدأ التدبير الحُر كما نص عليه النص الأساسي، وتأخذ الجهة شكل مجموعة إقليمية تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية، مشكلة مستوى ثان من اللامركزية بعد المستوى الأول(البلدية).
وتعترف اللامركزية الإقليمية للجهة بحيز ترابي أوسع من الحيز الجغرافي للبلدية، فهو حيز معادل للحيز الترابي الحالي للولاية، والأخيرة (أي الولاية) هي هيئة لا تركيزية للدولة، لا تتمتع بالاستقلالية القانونية.
وتمتاز الجهة باعتبارها حيزا أوسع من حيز البلدية، بكونها كيان يمتلك اختصاصات أكثر وضوحا وأكثر موائمة مع الموارد الخاصة، فهي تتكفل بالتنمية الجهوية وتدفع بالتنمية الوطنية عبر اعتماد آليات للتخطيط والتنسيق والتنفيذ ومتابعة البرامج والسياسات المحلية التنموية.
من جانب آخر، تمتلك الجهة اختصاصات مشتركة مع كل البلديات والدولة، واختصاصات خاصة،  كالتنمية الاقتصادية التي تدفع بالشأن الاجتماعي والثقافي، وتخدم إطار البرمجة الاقتصادية و الاجتماعية، علاوة على ذلك، يجسد إنشاء الجهة تنفيذا لإعلان سياسة اللامركزية والتنمية المحلية لعام 2010.
و يقتضي تمتع الجهة بالشخصية القانونية، ما في وجود جُملة من الخصائص، تتجلى فيما يُمنح لها كمجموعة الإقليمية من الحق في امتلاك ذمة مالية خاصة، ترسم بشكل دوري، والحق في رسم عملياتها المالية العامة، فضلا عن خاصية انتخاب هيئاتها عبر الاقتراع العام المباشر.
وتمتلك الجهة هيئتين:
- هيئة مُداولة (مجلس الجهة)
- هيئة تنفيذية ( رئيس المجلس الجهوي)
ولم يترتب عن الإصلاح الجهوي إلغاء مجموعة نواكشوط الحضرية، فحسب، لدواع سنثيرها لاحقا، بل منح هذا الإصلاح نظاما خاصا، لكل من مدينتي نواكشوط ونواذيبو، وتُغطي الحدود الترابية لمدينة نواكشوط ولاياته الثلاثة.
وقد أدخل هذا الإصلاح المُضمّن في آخر مراجعة للدستور "مبدأ التدبير الحُر" للمجموعات الإقليمية ولأول مرة في موريتانيا. مع الإشارة إلى أن إنشاء الجهات تم على عجل، دون أخذ السياق القانوني والإداري والمؤسسي للبلد في الحُسبان.
وقد صوّر الخطاب السياسي للفريق الحاكم في تلك الفترة، أن الجهات تحمل نفس النظام التمثيلي الذي يتسمُ به نظام مجلس الشيوخ.
وقبل التّطرق لنطاق نظام الجهات وحدوده، فإنه من المناسب التذكير بنشأة هذا النظام.
 
أولا: نشأة نظام الجهة
شكّلت المركزيةُ مُعطى جليًّا في كل الدول عشيّة استقلالها، أي خلال مرحلة التأسيس، حيث سعت الدولة خلال هذه المرحلة الخاصة إلى احتكار كُلي لتسيير الشأن المحلي، الأمر الذي أفضى إلى إقامة نظام علاقة غير متكافئة، قائم على الرقابة والهرمية والهيمنة، غير أنه تبيّن في الثمانينات، أن الدولة أضحت عاجزة عن ضبط كل شيء، فقد أصبح دورها مصدر عرقلة وتعطيل.
واتسمت هذه المرحلة بمركزة السلطة على جميع الصُّعّد، اقتصادية، قانونية، مؤسسية، وذلك بهدف مجابهة مُشكلات نقص التّنمية ومخلفات الاستعمار.
و على هذا النحو، حتّمت ظرفيةُ التأسيس (نشأة الدولة)، تعزيز هذه السلطة من خلال اعتماد دُستور ذي صبغة رئاسية عام 1961، فضلا عن الانتقال إلى نظام الأُحادية الحزبية
 
 
تم تبريرُ إرساء نظام من هذا القبيل بأمور عدة، من ضمنها العدد المعتبر للسكان الرٌّحل غير المؤهلين لاستيعاب مَفاهيم السيادة والتفويض عبر آلية التمثيلي، ومن الناحية السياسية، أمد كل من دستور 1961 والحزب الواحد، النظام بهيئات رسمية، وظيفتها إرساء سلطة الدولة.
أما من منظور التقسيم التُّرابي، فقد تم تبرير نظام الإدارة التُّرابية، بهذه الاستراتيجية المُتعلقة بتسيير الفضاء السياسي والإداري من أجل إقامة كيّانات إدارية تُرابية مُمركزة.
 
وقد اختبرت الإدارة نموذجا "جامعا "غايته الشمول خلال هذه الظرفية الخاصة، عبر اعتماد تحيين بسيط للهياكل الاستعمارية القديمة في مرحلة الأولى، ثم اعتماد تنظيم ترابي جديد ذي طابع جهوي في مرحلة ثانية، و قد لامس هذا التحديث كل من الإدارة اللاتركيزية و الإدارة اللامركزية  في آن واحد.
 
وبخصوص الهيئات اللامركزية (كيانات اللامركزية )، فقد نص دستور 1961 في مادته 53 على مبدأ تقسيم التراب الوطني إلى بلديات عدة، و كانت تلك البلديات امتدادا و استمرارا للبلديات الموجودة في عهد الاستعمار، رغم أنّ التراب الموريتاني لم يكن مغطى أو مشمولا بشكل كامل بهذه الكيانات ( البلديات).
و تطبيقا لهذه المقتضيات، تم إنشاء بلديات ريفية و أخرى حضرية، بالإضافة إلى بلديات نموذجية التي حلت محلل البلديات المختلطة، مجالس الوجهاء التي كانت قائمة تحت سلطة الاستعمار.
و بخصوص بالكيانات الترابية اللاتركيزية، فقد تم تقسيم الإقليم إلى دوائر و مناطق و مراكز رقابة إدارية وخلايا إدارية أساسية :  قرى في الوسط شبه الحضري و مخيمات في الوسط الريفي.
 
بيد أن هذا التنظيم الذي يتسم بتعقيد كبير، لم يكن مناسبا لإقليم شاسع ممتد على مساحة تزيد على مليون وخمسة ألف كلم مربع، يعاني من مشاكل تواصل وربط، نظرا لنقص البنية التحتية الطرقية، وضعف خطوط الهاتف، فضلا عن طغيان الطابع البدوي على السُكان، جلهم رحل ، وتأسيسا على ذلك، تم اعتماد شكل آخر للحكامة الترابية ، تمثل في نظام الجهة أو(نظام المنطقة) إ المعتمد سنة 1968.

 

 
أ - نظام الجهة (المنطقة) المعتمد 1968
مراعاة للمشاكل المذكورة سلفا، قرر حزب الشعب الموريتاني في مؤتمره الثالث المنعقد سنة 1968 إنشاء كيانات أكبر وأوسع مساحة من البلديات، عرفت بالمناطق الإدارية، أو بالجهات الإدارية.
سياسيا، توجب اعتماد تنظيم يوفق بين الفيدراليات الجهوية لحزب الشعب الموريتاني، مع المناطق الإدارية، سعيا لتأكيد علوية الحزب على كافة المؤسسات.
و عرف عدد الجهات (المناطق) تغيرا كبيرا، نتيجة لتقلبات تاريخ موريتانيا الحديث ( حرب الصحراء ، الانقلابات العسكرية... )، و ذلك طيلة الفترة الممتدة من 1968 إلى 1990،       ( تاريخ إنشاء هذه المناطق حتى تاريخ إلغائها).
ووصل عدد هذه ( الجهات ) (المناطق) 7 عند إنشائها بالإضافة إلى منطقة نواكشوط، و عرفت كل منطقة برقم خاص و فق بالترتيب التالي :
المنطقة الأولى: النعمة -
- المنطقة الثانية: العيون
- المنطقة الثالثة: كيفة
المنطقة الرابعة: كيهدي -
المنطقة الخامسة: ألاك -
المنطقة السادسة: روصو -
المنطقة السابعة: أطار -
أما المنطقة الثامنة ( انواذيبو ) فقد تم إنشاؤها بموجب المرسوم رقم 011-70
. الصادر بتاريخ 27 نوفمبر
 المنطقة التاسعة: تجكجه
- المنطقة العاشرة: سليبابي
المنطقة الحادية عشر: افديرك -  
المنطقة الثانية عشر: اكجوجت -  
فقد تم إنشاؤها بموجب المرسم 059-76 الصادر بتاريخ 31 سبتمبر 76
و وصل عدد هذه المناطق (الجهات) الإدارية إلى 13 عشر منطقة، بالإضافة إلى منطقة انواكشوط خلال الفترة 1970-1976 ، و جاء هذا التقسيم الإداري، نتيجة للتطور الاقتصادي و الحضري الذي عرفته بعض هذه المناطق، من جهة ، ومن جهة أخرى، أدت سيطرة موريتانيا على الجزء الجنوبي من الصحراء الغربية إلى إنشاء منطقة تيرس الغربية.  
و أخذت هذه المناطق ( الجهات ) اعتبارا من أغسطس  1978  تسميات جديدة قديمة، هي أسماء الدوائر الإدارية في عهد الاستعمار، و هذه التسميات هي:
الحوض الشرقي -
الحوض الغربي -
العصابة -
- كوركول 
 لبراكنه -
ترارزه -
  -آدرار
- داخلة انواذيبو  
- تكانت
- كيدي ماغه 
تيرس الزمور -
اينشري . -
و اكتست هذه المناطق ( الجهات ) صفة الدوائر إدارية و صفة المجموعات الإقليمية في آنّ واحد ، و كانت المنطقة (الجهة) تنقسم إلى العديد من الدوائر الترابية الفرعية .
قانونيا، ظلت المنظومة في جلها رغم وجود نصوص قانونية عديدة، تتسم بغياب جلي للامركزية ، حيث يتم تعيين هيئات هذه الجهات  (المناطق) من طرف السلطة المركزية ، بتسمية وكلائها و رجالها الثقات في الجيش ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى، كانت الوسائل المادية و البشرية لهذه الجهات (المناطق) شبه معدومة ، و تُسير بإعانات مالية من ميزانية الدولة.
و اعتبارا من منتصف الثمانينات، بدأت السلطة المركزية مرحلة جديدة ، تجلت في تفويض جزءٍ من سلطاتها لصالح مجموعات محلية مُنشئة ( مستحدثة ) ، و شكل تطبيق الليبرالية الاقتصادية و الرأسمالية التجارية التي نادت بيها المؤسسات المالية الدولية خلفية لهذا التحول.
سياسيا، عرفت موريتانيا منذ الانقلاب العسكري الأول في العاشر يوليو 1978 حالة من عدم الاستقرار الدستوري ، اتسمت بصدور مواثيق دستورية عديدة ، نظراً للتغييرات الحاصلة جراء الانقلابات العسكرية المتعددة و بروز "رجل قوي" على رأس كل مجموعة تتولى زمام الحكم و مقاليد السلطة في البلاد.
اقتصاديا، عرفت البلاد صعوبات جسمية، أعاقت كل نمو اقتصادي، و أدت إلى عجز في الميزانية و عجز في الحساب التجاري الخارجي، و صاحب تلك الظروف ازدياداً معتبرا في المديونية و تأخرا في الدفوعات الخارجية.
و في 12 دجمبر 1984، تولت مجموعة عسكرية جديدة الحكم في البلاد، يقودها العقيد: معاوية ولد سيد أحمد الطايع، فأعلنت عن أهدافٍ عدة على رأسها العودة إلى الحياد بشأن الصراع على الصحراء الغربية....، و السعي إلى تحقيق الاستقرار على الصعيد الداخلي،   و استعادة الحريات العامة و تطبيق الليبرالية الاقتصادية.
و في هذا السياق ، أعلن رئيس الدولة آنذاك في 12 دجمبر 1985 عن تنظيم انتخابات بلدية في العواصم الجهوية للولايات ، و في مدينة انواكشوط ، و تم الوفاء بهذا الوعد عبر إصدار الأمر القانوني رقم 86/134 الصادر بتاريخ 13 أغسطس 1986  المنشئ للبلديات ،
كما تم إلغاء هذا النص القانوني ليحل محله الأمر القانوني رقم  87/289 الصادر سنة 1987، الساعي إلى توسيع مسار اللامركزية، ليشمل المقاطعات و البلديات الريفية.  
و في سنة 1991، تم التنصيص دستوريا على إنشاء البلديات في نص الدستور الجديد المعتمد 20 يوليو 1991 تحديدا في مادته 98 
ب - نظام الجهة الاقتصادي ( الولاية) :
أخذت سياسة العلاقة بين المركز والأطراف ديناميكية جديدة، مع تنظيم انتخابات بلدية على مستوى العواصم الجهوية، اعتبارا من سنة 1986، وتجلت هذه الديناميكية بالاعتراف بالحق في الاستقلالية المحلية.
ولتأكيد هذا التوجه، تم اعتماد تنظيم جديد للإدارة الإقليمية للدولة سنة 1990، حيث سعى هذا التنظيم إلى غايات عديدة من ضمنها النقل الفعلي لاختصاصات كانت موكلة سابقا للدولة المناطق (الجهات) لتُنقل إلى المجموعات المحلية الجديدة (البلديات).
و قد أراد المشرع الموريتاني جلياً ، إنشاء كيانات جهوية ذات صبغة اقتصادية، عبر التنصيص على هيكل  هجين ، مشكل من ممثلين عن السلطة المركزية و السلطة المحلية و التنظيمات الاجتماعية و المهنية.
و هكذا، ظهرت الولاية كمستوىً من اللاتركيز الإداري ، يرمي إلى ترقية التنمية  الجهوية في انسجام مع أهداف التنمية الوطنية. و قد بدا من الصعب تحقيق هذه التنمية الجهوية التي - يُراد للولاية أن تكون دَعَامَةً لها - ، نظرا للسياق الوطني الذي يوصف بغير المواتي، و الذي يتسم بترابط جملة من الأزمات، والتوزيع غير المتكافئ للثروات و السكان.
و في الواقع، يبدو أنّ نظام الجهة ذي الصبغة الاقتصادية، المجرد من كل خصوصية و استقلالية ،  هو : ( الشكل المناسب " للدولة الراعية "  كي تتدخل يشكل مباشر في أروقة الاقتصاد المجالي )
و يتيح نظام الجهة ذي الصبغة الاقتصادية ضمان تحقيق تنمية مخطط لها، و ذلك باستجابته للحاجات الاقتصادية، خاصة حين ما يتكفل بإيجاد آليات لتمويل التنمية الجهوية.
ورغم ذلك، تبرز الهيمنة الواسعة للمصالح اللاتركيزية للدولة على الهيئات اللامركزية (المجموعات الإقليمية)، فهذا هو الطابع الذي يحكم العلاقة بين مستويي الإدارة الترابية، فمثلا يمتلك الوالي حصرية تقديم المقترحات و اتخاذ القرارات، خاصة اتجاه المجموعات الريفية.
و تبدو المجموعات المحلية في وضعية تبعية اتجاه السلطات المركزية، في أغلب الأوقات، سواء تعلق الأمر بالنفاذ إلى المعلومات، أو الحصول على خدمات فنية، أو مساعدات مالية أو تلقي دعم لحل مشكلة أو أخرى، و في هذه الوضعية، تلعب شبكات الوجهاء و الأعيان دورا سياسيا و اجتماعيا للإبقاء على الوضع القائم.
وينبني الترابط القائم بين الإدارة الإقليمية والسلطات المحلية من جهة، على موقع انتظار و ترقب يتموقعه أحدهما اتجاه الآخر، و من جهة أخرى، ينبني هذا الترابط على الحاجة إلى التعاون لإيصال قرار الإدارة، الذي لا يمكن تنفيذه دوما بوسائل و أساليب سلطوية،   وفي هذا الوضع، يسعى ممثل السلطة المركزية إلى تعزيز سمعته لدى السكان و تعضيد سلطته في كل البلديات.
و لا تزال جوانب كبيرة لآخر إصلاح للإدارة الإقليمية عرضة للتعديل، لأن بعض الهيئات إما تم إلغاؤها بنصٍ تشريعي، رغم أنها لا تزال موجودة واقعيا، أو أنّ بعضها تم التنصيص عليه قانونيا و لم يُنشأ، فعلى سبيل المثال: تم إلغاء المركز الإداري، و لم يتم تنصيب الجمعية الاقتصادية و الاجتماعية للولاية، و لم يتم تنصيب اللجنة الإدارية للولاية كذلك إلى يومنا هذا المنصوص عليها قانونيا ، و يعود ذلك ببساطة إلى أن النصوص القانونية التطبيقية لم تصدر بعد.
وتَكمن الإضافة الأساسية لنظام الجهة، في إدراج تسميات جديدة داخل القاموس الإداري للمؤسسات الإقليمية و هيئاتها، خاصة و أنه خص الجهة (المنطقة ) بصفة المجموعة المحلية .
و هكذا، تم تبسيط هياكل الولاية و المقاطعة إلى أبعد الحدود، تلك الهيئات التي تعود جذورها إلى الدوائر و الأقسام الإدارية القديمة التي كانت قائمة أيام الاستعمار، فلم تعد الأخيرة تتناسب مع الواقع، و لا تعكس متطلبات إدارة تخدم التنمية، تستوجب الكثير من التخصص في مراكز التصور و التطبيق و التنفيذ ، إذ لم يكن يوجد أي هيكل تنظيمي نموذجي يرسم النظام الوظيفي للدوائر الإدارية الترابية.
الأمر الذي يستوجب موائمة هذه الهياكل والهيئات مع المهام الجديدة للدولة كمواكبة اللامركزية  و تركيز الدولة على مهام محدودة و على بئتها ، الأمر الذي يستوجب تحديد المهام المحددة التالية:
استدامة الدولة ، •
تأمين المواطنين،  •  
ضبط و ضمان الحريات العامة،• 
الرقابة الإدارية ،•
ضمان انسجام تدخلات الدولة، • 
التعاون الوزاري البيني (القطاعات الوزارية). •
ترشيد الموارد و وسائل الدولة،•
 
و رغم ذلك فإن نظام الجهة ، و الذي ينظر إليه  على أنه نظام تسيير جهوي ذا صبغة اقتصادية،  فقد ظلَّ هذا النظام يؤدي واقعيا وظائف أساسية ، تجلت في مشاركة السلطة المركزية في رسم الأهداف و الأولويات و البرامج التنموية محليا.
و للتغلب على هذه المعوقات، و إرساءً لدعامة اللامركزية ، شرعت السلطات العمومية في عام 2017  في إصلاح جهوي جديد ، أبقت من خلاله على نظام اللاتركيز الإداري القائم ، و قد أدخل هذا الإصلاح الجهوي الجديد  مبدأ التدبير الحر للمجموعات الإقليمية عام  2018
ثانيا: نطاق و حدود نظام الجهة
ا - نطاق نظام الجهة :
الاختصاصات : 1 -
تتحدد الاختصاصات الموكلة للجهة وفق مبدأ التفويض ، و تمثل الجهة مستوى ترابيا لتنفيذ السياسات الوطنية في مجال التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الاستصلاح الترابي،  و كذلك لتنسيق سياسيات الدولة المتعلقة بالبيئة و الثقافة و التهيئة الحضرية ، و التنمية الريفية و الصحة ، و تنسيق كل الأنشطة التي تهم العديد من البلديات.
و تتولى الجهة مسؤولية رسم المشاريع التنموية و تأطير مبادرات الفاعلين المحليين : و المشاركة في وضع و تنفيذ المخططات الوطنية و كذاك وضع مخططات خاصة بها.
وهكذا انحصر دور الدولة محليا في تطوير المبادرات المتخذة ميدانيا و ضمان تكوين الوكلاء الاقتصاديين و الاجتماعيين، و بما أن الدولة هي المسؤولة عن رسم السياسية الاقتصادية ، فقد احتفظت بسلطة التدخل المباشر في التنمية المحلية ، و يتجسد دور الدولة  في تأطير الاستراتيجيات الجهوية و إيجاد قناة تنصهر داخلها أهداف تلك الاستراتيجيات.
 
 
و قد حددت المادة 4 من القانون النظامي الاختصاصات الخاصة بالجهة بالميادين الثمانية التالية:
1-  التخطيط و استصلاح الجهة : المشاركة في وضع آليات للاستصلاح الجهة ، دفع بالتنمية الطرقية الجهوية ، المساهمة في الربط الرقمي ( فك العزلة الرقمية ) ، و تطوير البنية التحتية للاتصالات بالجهة.
2 - الاستثمار : ترقية و تحفيز الاستثمارات في الجهة.
3 - البيئة وتسيير الموارد الطبيعية : المشاركة في وضع و تنفيذ خطط عمل جهوية في مجال البيئة و حماية الحيوانات و النباتات. 
 4 - السياحة: ترقية السياحة على الصعيد الجهوي ، تشجيع المبادرات الهادفة إلى إنشاء بنية تحتية سياحية على مستوى الجهة.
5 - التهذيب و محاربة الأمية و التكوين المهني: بناء و تجهيز و صيانة الإعداديات و الثانويات و مراكز التكوين المهني.
6 - الصحة و العمل الاجتماعي: دعم المنشئات الصحية للجهة ،  المشاركة في تنفيذ سياسيات الدولة و أولياتها في مجال السياسات العمومية الصحية و الوقائية، و مكافحة الأوبئة.
7 - الشباب و الرياضة و الترفيه: إنشاء بنية تحتية رياضية جهوية ، مساعدة و دعم الجمعيات الثقافية و الرياضية و الشبابية...إلخ
8 - الثقافة : ترقية و تطوير الانشطة الثقافية على المستوى الجهوي ، إنشاء و تسيير مراكز اجتماعية و ثقافية ، و كذلك إنشاء و تسيير المكتبات ذات الأهمية الجهوية....الخ
و يمكن للجهة أن تمارس أيضا اختصاصات أخرى تحال إليها ، في ميادين البينة التحتية الجهوية لقطاعات التجارة و الصحة و التعليم و المياه و الطاقة.

 2- الموارد المالية للجهة
وفقًا للمادة 54 من القانون الأساسي المتعلق بالجهة، «يتمتع المجلس الإقليمي بصلاحية عامة في تحديد الرسوم أو الضرائب المتعلقة بالمجال والخدمات الإقليمية وفق الشروط المنصوص عليها في القوانين واللوائح السارية». تشمل موارد الجهة إيرادات التشغيل وإيرادات الاستثمار.
حتى الآن، لم تلجأ الجهات إلى هذه الإجراءات لتحديد الإيرادات، باستثناء نواكشوط ونواذيبو اللتين تستفيدان من بعض الضرائب مثل ضريبة الإعلانات.
 
3- المدن ذات الوضع الخاص
 
أ. نواكشوط
تقسيم مدينة نواكشوط إلى ثلاث ولايات لا يعمل بشكل فعال بسبب عدم وجود هيكل للتنسيق. يتم هذا التنسيق غالبًا عبر القنوات الإدارية المركزية. ولم تؤخذ حلول مثل تعيين مندوب حكومي أو هيئة تنسيق على غرار محافظ شرطة باريس في الاعتبار في النظام القانوني الحالي.
أدت هذه الإصلاحات إلى إلغاء المجتمع الحضري لنواكشوط (CUN) نظرًا للتداخل في الصلاحيات بين المؤسستين ولأسباب أخرى مفصلة أدناه:
1) فحص أحكام الفقرة الثانية من القانون رقم 2001-27 بتاريخ 7 فبراير 2001 المعدل والمكمل للمرسوم رقم 87-289 بتاريخ 20/10/1987 الذي يلغي ويحل محل المرسوم رقم 86-134 بتاريخ 13 أغسطس 1986 الذي يؤسس البلديات، يشير إلى أن شكل التجمع البلدي المنصوص عليه هو الشكل الطوعي وليس الإجباري (المجتمع الحضري لنواكشوط).
2) الصلاحيات الممنوحة لـ CUN لا تدخل ضمن تلك المنصوص عليها في المادة 2 من المرسوم 87-289. يعترف المشرع لـ CUN بكتل من الصلاحيات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتخطيط الفضاء المجتمعي والسياسة الحضرية، وإدارة الخدمات ذات المصلحة الجماعية وحماية البيئة. من ناحية أخرى، يتم التعرف على التعاون البلدي هنا من خلال وجود مبدأين هما مبدأ الحصرية، أي من خلال نقل الصلاحيات من البلديات إلى الهيئة العامة الإقليمية وإمكانية ممارسة هذه الصلاحيات المنقولة بشكل حصري من قبلها.
3) بعض الأنشطة القريبة مثل التخطيط الحضري المحلي أو إدارة الأراضي تندرج ضمن اختصاصات البلديات المحلية، حيث لم يمنحها المشرع سوى دور استشاري.
4) معظم صلاحيات CUN تندرج ضمن اختصاصات الدولة.
5) صلاحياتها واسعة جدًا فيما يتعلق بحماية البيئة وتمس مجالات مكافحة التلوث، ومكافحة الضوضاء وتثبيت الحاجز الرملي الذي يفصل مدينة نواكشوط عن المحيط الأطلسي. هناك صلاحيات تبدو بحكم طبيعتها أو تهم جميع سكان نواكشوط كمصلحة مجتمعية، مثل وثائق التخطيط الحضري كالمخطط الرئيسي للتخطيط الحضري، المخطط الرئيسي للتخطيط، مخطط شغل الأراضي والتقسيمات. بينما تمتلك صلاحيات أخرى طابعًا وطنيًا في المقام الأول ويتجاوز النطاق المحلي، مثل الملعب الأولمبي الوطني، ودار الشباب. يمنح القانون الأساسي 2018-10 بتاريخ 12 فبراير 2018 المتعلق بالجهة، الجهة كل ما يتجاوز نطاق البلديات ويشمل كامل الفضاء الإقليمي، لا سيما التخطيط الإقليمي، التجهيزات الإقليمية، البنية التحتية الإقليمية (الطرق الإقليمية، المستشفيات الإقليمية، المدارس الثانوية، الكليات، الملاعب وبيوت الشباب والرياضة)، التخطيط الحضري، التنمية الريفية...
 
ب. منطقة داخلت نواذيبو
 
إذا كان إنشاء المنطقة الحرة يشكل خيارًا لتخطيط الأراضي مثل الجهة، فسيكون من الصعب تعايشهم معًا. وجود الجهة والمنطقة الحرة في نواذيبو في نفس الفضاء الإقليمي سيولد تداخلات في الصلاحيات وتداخلات في مجالات الأنشطة في كل من الهيكلين. والحل المقترح كان منح الصلاحيات التالية للجهة داخل الحدود الإقليمية للمنطقة الحرة:
- البيئة وإدارة الموارد الطبيعية؛
- التعليم، محو الأمية والتدريب المهني؛
- الصحة والعمل الاجتماعي؛
- الشباب، الرياضة والترفيه؛
- الثقافة.
يتيح القانون الأساسي المذكور أعلاه إمكانية عقد شراكات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
ب. حدود الإقليمية
تمت المبادرة بالإصلاح الإقليمي دون دراسة مسبقة. بالنظر إلى العديد من الثغرات المتأصلة في عمل البلديات وعلاقاتها بالإدارة المركزية، فإن إنشاء كيان جديد على شكل هيئة محلية سيولد مشاكل إضافية تتعلق بالصلاحيات، الموارد المالية، الموارد البشرية، الوصاية، إلخ. بالإضافة إلى ذلك، سيؤدي إلى تفتت الهيئات المحلية.
هذا الإقليمية قيد التطبيق الملزم، وذلك للأسباب التالية:
- مبدأ الإدارة الحرة، المبدأ الدستوري الذي تم إدخاله بواسطة آخر تعديل دستوري، غير قابل للتطبيق في السياق المؤسسي الموريتاني؛
- المنطقة لم تزود بالوسائل المالية والبشرية التي تمكنها من تنفيذ مهمتها؛
- لم يتم نقل الموارد بالتزامن مع نقل الصلاحيات؛
- لم يتم تعزيز التدابير المصاحبة، خاصة من خلال تنفيذ تفويض حقيقي؛
- عدم وجود آلية لتمويل التنمية المحلية.
 
1. مبدأ الإدارة الحرة، المبدأ الدستوري الذي تم إدخاله بواسطة آخر تعديل دستوري، غير قابل للتطبيق في السياق المؤسسي الموريتاني
تنص المادة 98 من الدستور على أن «الهيئات المحلية تدير نفسها بحرية من خلال هيئات منتخبة». يكرس هذا المبدأ الحرية لصالح الهيئات المحلية، المعترف بها من خلال النص الدستوري، ولكنها محاطة بالقانون منذ أن تنص هذه المادة على «في الشروط المنصوص عليها في القانون».
 
 
أ. نطاق هذا المبدأ
الإدارة الحرة تقتصر على الصلاحيات "الإدارية" وتستبعد الصلاحيات السيادية (سن القوانين، العدالة، الدبلوماسية). تخضع أعمال الهيئات المحلية للرقابة من قبل القاضي الإداري. يتيح ذلك ضمان مساحة من الحرية التي يمكن للهيئات المحلية العمل فيها. غالبًا ما يتم الاستشهاد بها ضد القوانين التي يُشتبه في عدم احترامها. بالنسبة لمجلس الدولة الفرنسي، الإدارة الحرة هي إحدى الحريات الأساسية المحمية من خلال إجراءات الاستشارة الفورية (المادة L521-2 من قانون العدالة الإدارية).
أولاً، يسمح هذا المبدأ للهيئات المحلية بالدفاع عن استقلالها وأن تُعهد صلاحياتها الأساسية إلى جمعيات منتخبة بحرية.
ثانيًا، يقتضي مبدأ الإدارة الحرة وجود صلاحيات فعالة تُمنح للأجهزة المنتخبة من قبل القانون.
أخيرًا، تعتمد الإدارة الحرة للهيئات المحلية على الموارد المالية المتاحة لها. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تحتفظ الهيئات المحلية بحرية استخدام مواردها: يجب تحديد النفقات الإلزامية التي ينص عليها المشرع "بدقة فيما يتعلق بموضوعها ومدىها ولا يمكنها تجاهل اختصاص الهيئات المحلية أو عرقلة إدارتها الحرة". ومع ذلك، لا ننسى أن مبدأ الإدارة الحرة للهيئات المحلية مرتبط أساسًا باللامركزية الإقليمية. إذا كانت الأخيرة تفترض تكوين هيئات محلية على شكل كيانات قانونية عامة، فإنها تتضمن أيضًا أن تمارس الدولة رقابة على ممارسة الصلاحيات التي عهدت بها إليها. فاللامركزية تقوم على توازن بين مبدأ الإدارة الحرة والرقابة التي تمارسها الدولة. في الواقع، ولم تكن اللامركزية أبدًا مرادفة للحرية التامة ومقابلها هو الرقابة على الشرعية. والرقابة على الشرعية التي يمارسها ممثل الدولة على أعمال الهيئات المحلية هي رقابة لاحقة وطبيعتها قضائية، أي أن السلطة القضائية الإدارية وحدها هي المختصة بإلغاء الأعمال غير القانونية. و يتم تنفيذ هذا الرقابة بالشكل التالي:
- يجب أن يكون ممثل الدولة على علم بالأعمال التي تخضع لرقابته قبل أن تدخل حيز التنفيذ. ويشترط نقل هذه الأعمال دخولها حيز التنفيذ، الذي يتطلب أيضًا إتمام إجراءات النشر.
- بمجرد نقل القرارات إليه، يكون لدى ممثل الدولة فترة زمنية (شهرين في الحالة الفرنسية) لفحص قانونيتها، وإذا اعتبرها غير قانونية، يمكنه إحالتها إلى السلطة القضائية الإدارية.
 
 
 
ب. حدود تطبيق هذا المبدأ في السياق الموريتاني
مبدأ الإدارة الحرة للهيئات المحلية يعني إلغاء الرقابة الوصائية التي يمارسها ممثل الدولة واستبدالها برقابة الشرعية التي يمارسها القاضي الإداري. ونظرًا لضعف الموارد البشرية المتاحة للهيئات اللامركزية ووجود نظام وحدة المحاكم الذي يميز النظام القضائي الموريتاني، فإن موريتانيا ليست مستعدة لتطبيق مثل هذا النظام. وقد أبقى القانون الأساسي المتعلق بال-هة على الرقابة الوصائية على الهيئات المحلية الإقليمية، مما يشكل انتهاكًا لمبدأ "الإدارة الحرة للهيئات المحلية" الدستوري الذي كرسته المادة 98 من الدستور.
و ستظل الرقابة الوصائية قائمة في الوقت الحالي، لكن سيتم النظر في تطبيق رقابة الشرعية في المستقبل، وذلك في إطار إعادة تنظيم المحاكم بإنشاء محاكم إدارية مستقلة عن المحاكم القضائية
 
الجهة لم تُزوّد بالموارد المالية والبشرية التي تمكّنها من أداء المهمة الموكلة إليها
 
أ) الموارد المالية
 
تربط جميع النصوص القانونية المتعلقة باللامركزية بين الشخصية القانونية والاستقلالية المالية لتعريف مفهوم الجماعة الترابية. تتضمن هذه الاستقلالية المالية أساسًا الحق المعترف به للجماعة المحلية في امتلاك أداة ذات طابع مالي تسجل فيها جميع إيراداتها ونفقاتها لفترة معينة. هذا هو المعنى الذي يجب أن يُعطى للمادة 62 من النص المذكور: «تبدأ السنة المالية في 1 يناير وتنتهي في 31 ديسمبر من نفس السنة المدنية. ومع ذلك، تُمنح فترة تكميلية مدتها خمسة وأربعون يومًا لدفع النفقات الملتزمة بها قبل إغلاق السنة المالية».
و تستفيد الجهات من الإعانات المالية السنوية الممنوحة في إطار قانون المالية السنوي، والتي تتفاوت وفقًا لأهمية الجهة الديموغرافية. ولا تستفيد هذه المناطق من موارد خاصة بها. و يمكن إنشاء هذه الموارد في إطار إصلاح الضرائب الحكومية والمحلية. وفي هذا الصدد، يجب العمل على مستويين:
- نقل الضرائب الحكومية إلى المنطقة.
- منح الضرائب التي كانت من اختصاص CUN إلى جهة نواكشوط. وإذا لم يكن ذلك ممكنًا، يمكن منح ضرائب حكومية للمنطقة. يجب توضيح هذه المسألة بالتشاور مع الخدمات الفنية بوزارة بالمالية.
 
ب) الموارد البشرية
 
تبقى المشكلة البشرية أساسية لأنها تحدد تأكيد هذه الاستقلالية. ويجب أن يتمتع المسؤولون المحليون بصلاحيات واسعة، ليس فقط من حيث عدد الموظفين ولكن أيضًا من حيث إدارة وتوظيف وتدريب هؤلاء الموظفين. باستثناء جهة نواكشوط التي استفادت من نقل جميع موارد CUN السابقة، لا تتوفر المناطق الأخرى على موارد بشرية كافية.
ولا توجد وظيفة عمومية ترابية في موريتانيا، إذ يخضع موظفو الجماعات لمجموعة متنوعة من القوانين التي تطورت وفقًا للإصلاحات المختلفة التي عرفتها الوظيفة العمومية للدولة. من 1974 إلى 1991، كانوا يخضعون لنظام خاص يسمى "وضعية الموظفين المساعدين". وهو نظام كانت تخضع له نسبة كبيرة من موظفي الدولة. من حيث القانون الذي ينطبق عليهم، هو نظام قانون عام، إلا أن الموظف المساعد لم يكن ينتمي إلى فئة معينة ولم يخضع لنفس قواعد التوظيف مثل الموظفين. خلال السنوات الأولى من الاستقلال، لجأت موريتانيا إلى هذا النظام لإدارة الموظفين بسبب العجز الذي تطلب أحيانًا توظيف أجانب.
منذ عام 1991، وهو تاريخ إصلاح الوظيفة العمومية، أوصي بإلغاء وضعية الموظفين المساعدين وإدماجهم في فئات الوظيفة العمومية. لم يأخذ هذا الإصلاح بعين الاعتبار موظفي الجماعات المحلية. وبالتالي، فقد فقد موظفو الجماعات وضعيتهم السابقة، ورغم نية المشرع في منحهم وضعية خاصة، إلا أن ذلك لم يتحقق بعد.
 
3. لم يتم تنفيذ نقل الموارد بالتوازي مع نقل الاختصاصات
 
رغم العديد من الاختصاصات الموكلة قانونيًا للجماعات الإقليمية، لا تزال الخدمات العامة للدولة تتولى مهام تقع ضمن اختصاصاتها. ويجب التأكيد أيضًا على أن الموارد المرافقة لهذه الاختصاصات لم تُنقل بعد. تتوقع الاستراتيجية الوطنية للامركزية والتنمية المحلية، التي تم اعتمادها في 1 نوفمبر 2020، نقل وتقاسمًا تدريجيًا للاختصاصات من الدولة إلى الجماعات الترابية بحلول عام 2021، وذلك على النحو التالي:
- إنشاء تصنيف للجماعات الترابية لأخذ وتيرة ونوع الدعم في نقل الاختصاصات في الاعتبار.
- اعتماد خطة لنقل الاختصاصات وتحديد إجراءات الدعم.
- تنفيذ النقل الفعلي للاختصاصات استنادًا إلى هذه الخطة.
 
4. لم يتم تعزيز إجراءات الدعم من خلال تنفيذ لامركزية حقيقية
 
يجب ألا تكون اللامركزية مجرد تقنية لتخفيف الإدارات المركزية، بل يجب أن تتبع دوافع تربط بشكل وثيق بين اللامركزية والتعاون بين الوزارات وتؤدي إلى تعزيز طرق جديدة لتحديد وتوجيه السياسات العامة. ويجب أن تتشارك هذه السياسات في دمج عدة خدمات وهيئات عامة وكذلك جماعات وجمعيات. وسيتطلب ذلك تنظيمًا مرنًا بين الوزارات للتكيف مع تنوع الأوضاع المحلية وأهداف الجهات الفاعلة المختلفة.
 
يجب أن تسترشد شروط تنفيذ السياسات العامة بـ:
- عدد متزايد من الأنشطة القطاعية التي لا يمكن أن تخضع لإجراءات رأسية تتجاهل التفاعلات والتآزر بين جوانب مختلفة لنفس الملف.
- يجب تطبيق هذا المعالجة الأفقية على مستوى المراكز المركزية ولكن بالقرب من مستويات تنفيذ السياسات المعنية، مع دمج خدمات الدولة مع الجماعات المحلية والجهات الفاعلة الأخرى في شراكة نشطة.
 
5. عدم وجود آلية تمويل موحدة للتنمية المحلية
 
رغم تنوع تمويل الجماعات المحلية في موريتانيا من تدفقات تصاعدية (الموارد الخاصة بالبلديات: الضرائب البلدية، الرسوم البلدية، الرسوم، إلخ) وتدفقات تنازلية (نقلات الدولة، المساعدات العامة للتنمية)، لا توجد بنية موحدة لتمويل اللامركزية والتنمية المحلية التي يجب تنسيقها مع الصندوق الإقليمي للتنمية وصندوق الودائع والتنمية.
 
رغم الجهود المبذولة والإرادة السياسية التي أظهرتها السلطات العامة بإنشاء مجلس عالي للامركزية برئاسة رئيس الجمهورية، لتأسيس لامركزية حقيقية، يجب التأكيد على أن نظام الإدارة الترابية في موريتانيا يظهر عيوبًا واضحة تتلخص في: تعدد السلطات الإدارية المحلية (والي، حاكم، رئيس دائرة، عمدة، إلخ)، تداخل الاختصاصات، الوصاية القوية جدًا، غموض الإدارة، البيروقراطية في الإدارة، أهمية مظاهر السلطة، غياب التعاون والتقييم، تدني المالية المحلية والتوظيفات.
 
الخلاصة
في الختام، يجب التأكيد على أنه لتحقيق هدف دولة فعالة، موحدة ومتناسقة محليًا، يجب أن تتم اللامركزية في إطار تجمع حول الوالي للخدمات التي يملك السلطة عليها. يجب أن يكون التعاون بين الوزارات هو الإطار الأساسي لعمل الدولة على المستوى المحلي. للقيام بذلك، يجب أن يصبح الوالي أكثر من مجرد ممثل فريد للدولة الذي يدير، بشكل غير مباشر حتى الآن، الخدمات المدنية للدولة. يجب أن يكون له تأثير حاسم على توجهاتهم الاستراتيجية، واختيار أنشطتهم، وتنسيق مواردهم. يجب أن يتمتع فعليًا، من أجل جميع قرارات الدولة في ولايته، بالوسائل لضمان وحدة القيادة. من الضروري النص من خلال أحكام قانونية وتنظيمية على الآلية المؤسسية والقانونية التي يجب أن تحكم إجراءات تطبيق لامركزية حقيقية لخدمات الدولة على المستوى الإقليمي. يجب أن يتعلق ذلك بشكل أساسي بإعداد قانون توجيهي حول اللامركزية. من الضروري تبرير كل اختصاص تمارسه إدارة مركزية لتحديد التوزيع بعد ذلك. ومن ثم، ستكون المهام الجوهرية للدولة في المجالات التالية:
- التصميم، التحفيز، التوجيه، التقييم، الرقابة.
- إعداد مشاريع القوانين واللوائح.
- إعداد وتنفيذ قرارات الحكومة وكل وزير على حدة، خاصة في مجالات تحديد وتمويل السياسات الوطنية، مراقبة تنفيذها وتقييم آثارها.
- التنظيم العام لخدمات الدولة.
- وضع القواعد المتعلقة بإدارة الموظفين.
- تحديد أهداف عمل الخدمات اللامركزية للدولة، تقييم احتياجات هذه الخدمات وتوزيع الموارد المخصصة لتشغيلها وتقييم النتائج المحققة.
 
في الواقع، يجب أن تتدخل الاختصاصات الممارَسة من قبل الجهات الفاعلة المختلفة وفقًا لمبدأ التبعية، حيث ستُعتَبر اللامركزية عاملًا دائمًا لإعادة فحص وتطوير التنظيم الإداري للدولة.

 

* سيد محمد بيدي

أستاذ محاضر بالمدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء

 

 

إعلانات

 

إعلان