تعتبر المديونية من أهم المشاكل الاقتصادية التي فرضت نفسها على الساحة العالمية وقد نوقشت نقاشا مريرا، ظهر فيها كم هائل من الأبحاث من لدن المختصين وعقدت لها ندوات كثيرة وتصدرت موائد المفاوضات في أكثر المؤتمرات التي عقدت في العقد الأخير.
وقد تفجرت هذه المشكلة بشكل واضح منذ بداية الثمانينات خاصة عند إعلان المكسيك عن توقفها عن دفع الفوائد والأقساط المستحقة سنة 1982م وهو الموقف الذي سارت عليه أكثر من دولة بعد ذلك واصطلح عليه باستراتيجية الامتناع وموريتانيا كغيرها من البلدان النامية سعت من أجل الوصول إلى تنمية اقتصادية شاملة لذلك لجأت إلى الموارد المالية الأجنبية لتمويل خططها التنموية التي كانت تحتاج إلى أموال كبيرة لم تكن المدخرات الوطنية المحلية قادرة على تلبيتها نتيجة لضعف الإمكانات الاقتصادية بعيد الاستقلال سنة 1960م الأمر الذي أدى إلى مد اليد إلى الأموال الأجنبية لتمويل الخطط التنموية التي كانت أهدافها مبالغ فيها إلى حد كبير، وقد إتجهت غالبية الدول النامية إلى مزيد من الاقتراض بعدما كان قسم منها ينعم بالاحتياطات التي تقيها شر الشروط المجحفة لصناديق التمويل الدولية. وقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى تفاقم المخاطر المتعلقة بالدين في جميع البلدان النامية. نحو 60% من البلدان منخفضة الدخل في خطر كبير يهدد ببلوغها مرحلة المديونية الحرجة أو أنها بلغت هذه المرحلة بالفعل.
وهذا ما يدفعنا إلى طرح السؤال التالي:هل تقع هذه الدول في فخ الديون مرة أخرى بسبب خدمة الدين أم تنجح في الإفلات منه عن طريق تنويع مصادر الدخل؟
لقد أنفقت البلدان النامية رقما قياسيا قدره 443.5 مليار دولار على خدمة الديون في عام 2022. ودفعت أشد البلدان فقرا المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية مستوى قياسي قدره 88.9 مليار دولار، بزيادة قدرها 4.8% عن عام 2021. وهذا ما يعرضها لمخاطر إقتصادية كبيرة، لا سيما، بلدان الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل، غير أن المشكلات والتوترات كانت تزداد حدة بالنسبة لأشد بلدان العالم فقرا، التي تعرضت لضغوط من جراء ارتفاع مدفوعات خدمة الديون. ولا تزال الضغوط مستمرة هذا العام.
وتواجه أشد بلدان العالم فقرا خطر أزمات الديون مع ارتفاع تكاليف الاقتراض. وأدت الزيادة في التكاليف إلى تحويل الموارد الشحيحة بعيدا عن تلبية الاحتياجات الحيوية في قطاعات مثل الصحة والتعليم .
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن جميع الدول النامية تحاول تنويع مصادر دخلها، فإن إعادة إحياء الزراعة والصناعة المحلية الموجهة للاستهلاك الداخلي تشكل المخرج الوحيد حاليا لتقليص فاتورة الواردات والحد من الاقتراض. ومما يتطلبه ذلك تشجيع الإنتاج المحلي من خلال توفير القروض والاستشارات ومستلزمات الإنتاج بشكل ميسر. كما يتطلب إجراءات حمائية للمؤسسات الناشئة ريثما تقف على أقدامها في وجه المنافسة.
لذلك نتوقع استمرار أزمة المديونية ، وتفاقمها في الأجلين القصير والمتوسط، ولن تكون هناك حلول لهذه القضية وغيرها من القضايا الاقتصادية إلا بعد أن تشهدالدول النامية حالة من الاستقرار السياسي والأمني، وكذلك عودة الديمقراطية والحرية لشعوبها ، حتى يمكن ممارسة النشاط الاقتصادي وفق قواعد صحيحة، ووجود رقابة حقيقية عبر البرلمانات، وشفافية من قبل الحكومات.
الوزير السابق والخبير الاقتصادي الدكتور ختار الشيباني