سار الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مثل بقية الرؤساء الذين امتلأت بهم مدينة نيويورك، في موكب قاطعا المسافة القصيرة بين فندقه غراند حياة، الملاصق لأكبر محطات المترو والقطارات في نيويورك، إلى مبني الأمم المتحدة على بعد أمتار قليلة.
لو خير الرئيس لاختار السير على قدميه، كما يقول مقربون، ضاربًا عرض الحائط بكل الإكراهات التي تواجه أي رئيس، ثمَّ يضيفون أنَّ للأمن إكراهاته، والأمريكيون الذين يحكمون عاصمة العالم لا يفرطون في المحافظة على ذلك النسق في الأمن والبروتوكول.
من جناحه في الفندق، وقبل أن يبدأ يومه الأول الطويل، ظلَّ الرئيس غزواني يستقبل قيادات الجالية الذين احتشدوا في فسحة الاستقبال، ملوحين بشعارات ترحب به، وكأنهم يقولون للحشد المعارض الآخر إذا كنتم هناك في وقفتكم التي رخصتها شرطة نيويورك، فنحن هنا أيضا والمواجهة بيننا وبينكم سجال.
مدينة لا تهدأ
نيويورك مركز التجارة والمال في العالم، لكنها أيضًا تتحول إلى مركز القرار العالمي مع نهاية شهر سبتمبر من كل عام، حين يتنادى إليها قادة العالم وصناع القرار، لحضور الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني واحدا من هؤلاء القادة الذين حطت طائراتهم في أرض نيويورك الصاخبة.
منذ اللحظة الأولى بدأ ولد الغزواني أنشطته في المدينة التي لا تعرفُ الهدوء، فكان في استقباله حين وصل محل إقامته بنيويورك، العشرات من أفراد الجالية الموريتانية في الولايات المتحدة، أغلبهم من الشباب استغلوا الفرصة لطرح بعض مشاكلهم أمام الرئيس.
ظهر ولد الغزواني وهو يستمعُ لكل فرد من مستقبليه، ويصدر بعض التعليمات لمرافقيه، فيما كان أحد أفراد الجالية يُحدّثه عن تجديد جوازات السفر، وحين سأله الرئيس عن المشكلة، قال إن تجديدها متوقف في السفارة منذ ستة أشهر.
ورغم أن الرئيس تعهد بالنظر في الأمر، إلا أن مصدرًا في السفارة نفى هذه المعلومات واعتبر أنها “مغالطة”.
ويعيد المصدر أسباب الأزمة لتدفق أعداد كبيرة من المهاجرين، دخلوا عبر الحدود البرية مع المكسيك، تقدر حسب مصادر رسمية بحوالي 12 ألف شخص في غضون الأشهر الماضية.
أغلب الوافدين الجدد يتخلًون عن جوازات سفرهم قبل دخول الأراضي الأميركية، لكنهم يجدون أنفسهم لاحقا بحاجة لوثيقة رسمية لترتيب أمورهم بعد الوصول، ما يدفعهم لطلب استصدار جواز جديد من السفارة في واشنطن.
المصدر أكد أن الجوازات كانت تجدد بوتيرة اقتربت من 40 جواز سفر في اليوم الواحد، قبل أزمتها العامة التي بدأت مطلع شهر يوليو الماضي يضيف المصدر.
الجلسة الافتتاحية
بدأ ولد الغزواني أنشطته الرسمية في نيويورك بحضور الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في دورتها الثامنة والسبعين، الثلاثاء، إلى جانب عدد كبير من رؤساء الدول والحكومات الأعضاء في المنظمة.
وكان إلى جانب الرئيس وفدٌ يضم الوزير المكلف بديوان رئيس الجمهورية المختار ولد أجاي، ووزير الخارجية محمد سالم ولد مرزوك، ووزير الاقتصاد والتنمية المستدامة عبد السلام ولد محمد صالح، بالإضافة إلى الممثل الدائم لموريتانيا في الأمم المتحدة سيدي ولد محمد لقظف، وسفيرة موريتانيا في واشنطن سيسه بنت بيده.
وحسب جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن ولد الغزواني سيلقي خطابه اليوم الأربعاء، في فترة ما بعد الظهر بتوقيت نيويورك. فموريتانيا بمساحتها الفسيحة تضعها الحروف الأبجدية المعتمدة في الأمم المتحدة بجوار أصغر جمهورية في العالم؛ هي (ناورو) المعروفة سابقا باسم جزيرة (يليزانت) الواقعة جنوب غرب المحيط الهادئ، والتي يزيد تعداد سكانها بقليل على 10 آلاف نسمة، وهو ثاني أقل تعداد سكاني بعد مدينة الفاتيكان.
لكن أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا تعرف الفوارق بين البلدان، حيث تحظى كل الدول الأعضاء في هذا الجهاز بتمثيل متساو لا تأثير فيه لأي عوامل خارجية، إلا أن هذه المساواة في الشكل ترافقها مطالب بضرورة إصلاح المنظومة الأممية، لتكون أكثر عدالة، وموريتانيا واحدة من الدول التي ترفعُ مطلب العدالة والإصلاح.
لقاءات على الهامش
على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، عقد ولد الغزواني جلسة مباحثات مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، ناقشا خلالها العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها وتعزيزها.
جلسة المباحثات التي حضرها الوزير المكلف بالديوان المختار ولد أجاي، ووزير الخارجية محمد سالم ولد مرزوك، ناقشت أيضًا تطورات الوضع الإقليمي والدولي.
كما أجرى ولد الغزواني مباحثات مع العقيد مامادي دومبيا، رئيس المرحلة الانتقالية بجمهورية غينيا، حيث ناقش الرئيسان سبل تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وفق ما أوردت الوكالة الموريتانية للأنباء (رسمية).
ويأتي اللقاء في وقت يتولى فيه محمد ولد الشيخ الغزواني الرئاسة الدورية لمنظمة استثمار نهر السنغال، وبعد قرار السلطات الانتقالية في غينيا، يوليو الماضي، تعليق عضوية البلد في منظمة استثمار نهر السنغال، التي تضم كلا من موريتانيا والسنغال ومالي، وهو القرار الذي بررته بأن المنظمة “لا تأخذ بعين الاعتبار مصالحها الاستراتيجية”.
وكانت موريتانيا قد علقت آنذاك على قرار غينيا بأنه سيعالج بما يخدم مصالح دول الأعضاء في المنظمة، وقال الناطق باسم الحكومة الموريتانية إن معالجة تعليق غينيا عضويتها “يحتل إحدى أوليات موريتانيا خلال رئاستها لمنظمة استثمار نهر السنغال”.
وأكد المتحدث باسم الحكومة الموريتانية أن موريتانيا تحترم قرار غينيا، تماشيًا مع احترامها لسيادة الدول في قراراتها.
ولم يعرف إن كانت المباحثات التي جرت بين قائدي البلدين قد تطرقت إلى هذا الملف.
حديث القمة
خلال أنشطته في أول أيام زيارته لمدينة نيويورك، شارك ولد الغزواني في قمة أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، وكان أحد المتحدثين الرئيسيين في أشغالها، وهي التي تعد أحد أبرز محاور الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتشير الأمم المتحدة إلى أن قمة أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، تسعى إلى “اعتماد إعلان سياسي تطلعي يؤكد من جديد على الالتزام بالوعد الرئيسي لخطة عام 2030، وهو عدم ترك أحد يتخلف عن الركب”.
وناقشت القمة تقييم خطة التنمية، على أن تنتهي بالتوافق على الإعلان السياسي المحوري للقمة، الذي ينتظر منه أن يقدم “إجراءات تحويلية ومعجلة” لجميع البلدان للعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
غداء ألماني
على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان ولد الغزواني ضيف حفل غداء أقامه المستشار الألماني أولاف شولز، في مقر المندوبية الدائمة لجمهورية ألمانيا الاتحادية في نيويورك.
وخلال حفل الغداء، تبادل ولد الغزواني وجهات النظر مع المستشار الألماني حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وسبل تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية بين موريتانيا وألمانيا، حسب ما أفاد المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية.
كما ألقى ولد الغزواني كلمة خلال حفل الغداء، ناقشت قضايا منها تعزيز تمثيل قارة إفريقيا في مجموعة العشرين، ومواءمة المؤسسات المالية الدولية مع التحديات الكبرى، بالإضافة إلى تعزيز التعاون متعدد الأطراف.
وناقش المشاركون في حفل الغداء إصلاح الأمم المتحدة وجعلها أكثر فعالية في مواجهة تحديات وتداعيات الصراعات العالمية.
لقاء الجالية
في زيارته الماضية لواشنطن ديسمبر الماضي، عقد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لقاء مع أفراد الجالية بمقر إقامته، وكان مقررا أن يستمر نصف ساعة، لكنه تواصل لعدة ساعات، حين حرص الرئيس على إعطاء كل الحاضرين فرصة الحديث عن مشاكلهم.
اللقاء الذي حضرته آنذاك عناصر محسوبة على المعارضة، وصف أوانها بالودي، وتعهد الرئيس بتسوية العديد من القضايا، من بينها فتح المجال أمام الجالية لانتخاب من يمثلها في البرلمان، إضافة لفتح سفارة في كندا، وتعهدات أخرى أنِجز بعضُها وبقي الآخر في قائمة الانتظار.
لكن ناشطين آخرين رفضوا المشاركة في اللقاء ونظموا احتجاجات تسببت في احتكاك مع رئيس الفريق الأمني للرئيس عالي ولد علوات، اتهموه فيها بالاعتداء الجسدي على الناشط على الفيسبوك سيدي محمد ولد اكماش.
أعاد مشهد الاحتجاجات نفسه هذه المرة في نيويورك، ولكن بحشود أكبر في الجانبين، وظهر ولد علوات يقود الفريق الأمني المشرف على حراسة الرئيس، رغم أن ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي روجوا لإمكانية توقيفه فور وصوله إلى أراضي الولايات المتحدة.
الاختلاف هذه المرة كان في صيغة استقبال أفراد الجالية، إذ جرى هذه المرة على انفراد، فمُنح كل واحد فرصة لقاء الرئيس لمدة لا تتجاوز ثلاث دقائق، حسب القائمة التي كانت بحوزة المنظمين.
لكن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي يرضخ أحيانا لضرورات الأمن والبروتوكول، لا يجامل في ملاطفة والأخذ بخاطر جالية تتجاذبها الاختلافات، تماما كالوطن البعيد هنالك خلف الأطلسي.
نقلا عن صحراء ميديا