أثار التعليق المفاجئ للجلسات التحضيرية للتشاور الوطني جدلا واسعا في الساحة السياسية؛ فبعد أكثر من شهر من انطلاق جلسات التشاور، أعلن الوزير الأمين العام للرئاسة الذي عينه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني للإشراف على جلسات الحوار، تعليق الجلسات.
فما الذي دعا إلى هذا القرار المفاجئ؟ ومن كان السبب في التعليق؟ وهل من فرص لاستئناف الرحلة مجددا؟ هذه الأسئلة وغيرها حملناها إلى عضو فريق الأغلبية في اللجنة التحضيرية أماتي بنت حمادي، الوزيرة السابقة، ورئيسة المجموعة الحضرية لمدينة نواكشوط سابقا، عضو المجلس الوطني للحزب، فكانت المقابلة التالية:
الساحة: هل يمكننا القول الآن وداعا للتهدئة السياسية وللتشاور؟
أماتي بنت حمادي: شكرا لكم على إتاحة الفرصة. الجواب يتوقف على المعنى الذي تقصده بالتهدئة السياسية في هذا المقام. إذا كنت تقصد التشاور الوطني كمظهر من مظاهر التهدئة السياسية، فأنا آسفة لأقول لك: نعم، لقد تم تعليق المحاولة التي بدأت جلساتها التجصيرية قبل أسابيع. أما إذا قصدت بالتهدئة السياسية المعنى العام لها، فالجواب لا. التهدئة السياسية خيار استراتيجي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بدأه على مستوى الخطاب، من الحملة الرئاسية، وجسده في سياسة الباب المفتوح أمام كل الطيف الوطني، من أول يوم. وحاولنا جاهدين، كأغلبية داعمة للرئيس أن نجسده في هذا التشاور الوطني الذي وفر له رئيس الجمهورية كل الرعاية، ولكن يؤسفني أن أقول إن هذه الفرصة ضاعت الآن. ولكنها لن تضيع إلى الأبد.
الساحة: من الذي أفشل الحوار، أو التشاور كما تفضلون تسميته؟
أماتي بنت حمادي: لا أشاطرك الرأي أنه فشل، أو أفشل، هذا التشاور لم ينطلق بعد. كلما في الأمر أنه عند تقييم ما مضى من التحضير، والطريقة التي تعامل بها قسم من الفاعلين السياسيين مع المرحلة السابقة، تبين أن التشاور لن ينجز وفق الشروط المطلوبة. والوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية كان صريحا في هذا الأمر غاية الصراحة، خلال المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه قرار إيقاف أعمال اللجنة التحضيرية التي يرأسها.
التشاور لم يفشل لأنه لم يبدأ بعد، ومرحلته التمهيدية أوقفت للأسباب التي شرحت لك.
الساحة: ألم تكونوا متفائلين أكثر من اللازم عندما توقعتم أن ينتهي التشاور إلى اتفاق ينهي الأزمة السياسية؟
أماتي بنت حمادي: أعتقد أن الأزمة السياسية انتهت بمجرد وجود قيادة للبلد غير منخرطة في الصراع السياسي، ولا تسخر الدولة، إعلاما، ولا إدارة، ولا مؤسسات مالية، ضد معارضيها السياسيين. بمعنى أنه لم تعد هناك أزمة سياسية بعد الأول من أغسطس سنة 2019. ما كنا نتوقعه هو أن يفضي التشاور إلى توافقات وطنية كبرى بشأن بعض القضايا التي تحتاج إجماعا وطنيا، وأن يؤسس لمزيد من تطوير التجربة الديمقراطية، وأن يزرع المزيد من الثقة بين أطراف المشهد الوطني. ونعتقد أن هذا ليس أمرا مستحيلا، صحيح أنه طموح، وأنه حلم.
لكن دعني أقل لك شيئا؛ عندما نستخدم مصطلح التفاؤل، ونحن نعني أننا نتمنى أو نحلم، فهذا شيء، وعندما نستخدم مصطلح التفاؤل، ونحن نسعى ونبذل الجهد، ولدينا إرادة صادقة، ولدينا فرصة حقيقية للنجاح بوجود ضامن أعلى للتشاور، وضامن أعلى لتنفيذ المخرجات، فنحن لا نسمى متفائلين، وإنما نسمى أناسا واقعيين، نرى هدفا ممكن التحقق، ولدينا أدوات تحقيقه، ونطمح لأن نحققه. وسامحني أن أقول لك شيئا آخر؛ لقد كنا قريبين جدا من تحقيق الهدف، وتحقق جزء منه، ولكن يدا واحدة لا تصفق، كما يقول مثلنا الشعبي.
الساحة: إذن، تريدين القول إن المعارضة هي من أفشل التشاور أو الحوار؟
أماتي بنت حمادي: التشاور، كما قلت لك لم يفشل، هناك عوامل أملت ضرورة إيقافه حتى تتهيأ الفرصة لأن يحقق أهدافه، ولست هنا في وارد تحميل المسؤولية لأي طرف. كان الأفضل أن تتحقق شروط النجاح، ومن يدري قد تتوفر قريبا، ويعود التشاور. أنا شخصيا أميل إلى التفاؤل.
الساحة: ما الحسابات التي دفعت بالأغلبية، وبالرئيس إلى وضع كل بيضها السياسي في سلة التشاور أو الحوار؟
أماتي بنت حمادي: هذا الاستناج في غير محله.. ما يوجد لدينا في الأغلبية ليس بيضا، إنه حجارة صلبة، وأساس حقيقي لمشروع وطني جامع، صاغه فخامة الرئيس في برنامجه الانتخابي"تعهداتي" ووصل الليل بالنهار عملا على تنفيذه منذ نيل ثقة الشعب الموريتاني.. والتشاور لبنة أساسية في هذا البرنامج وهذا المشروع.
ولم نضع كل هذا في سلة التشاور، لقد كنا نعول على التشاور في تجاوز بعض الرواسب، وخلق حالة إجماع سياسي يستفيد منها الجميع، وقد تحقق شيء من ذلك، ولم نقصر في السعي لذلك، ولسنا نادمين على الوقت والجهد الذي بذلنا فيه.. لقد رأى الشعب الموريتاني من يتبنى الحوار والتشاور نهجا وسبيلا، ويستعد لتقديم ثمن خياراته، ومن يخلط التكتيكي بالاستراتيجي في القضايا الوطنية الكبرى، وهذا بالنسبة لنا مكسب كبير، لأن غرس الوعي الصحيح أهم مكسب سياسي، والمواطن الموريتاني هو الحكم الذي تنتهي عنده درجات التقاضي بين السياسيين.
الساحة: كيف ستخرجون الرئيس وتخرجون أنفسكم من الحرج الذي أوقعتم فيه القيادة بتزويدها بتقديرات خاطئة عن إمكانية نجاح التشاور؟
أماتي بنت حمادي: تريد الحقيقة؟ لم تكن لدينا أبدا أي تقديرات خاطئة، وكنا نضع في الحسبان كل الاحتمالات، وعملنا على التعامل مع مختلف الطوارئ. ولم يفاجئنا أبدا أن يتوقف التشاور عند هذه المحطة، ففي السياسة يجب عليك دائما أن تتوقع توقف الأمور عند أي نقطة. لذلك ليس لدينا أي حرج. كنا نعتقد أن علينا بذل مجهود وبذلناه، وكان فخامة الرئيس يرى أن عليه تقديم تطمينات وضمانات وفعل. أعتقد أنك لا تحتاج كثيرا من البحث لتعرف من هو المحرج.
نحن في الأغلبية الداعمة لفخامة رئيس الجمهورية قوة سياسية موحدة، لديها خطاب متماسك واضح، وإيمان بالهدف الوطني، واستثمار في المشترك.
الساحة: ألم يمت التشاور والحوار الآن؟
أماتي بنت حمادي: التشاور كمنهج، وكخيار استراتيجي، أطمئنك أنه لم يمت، ولن يموت ما دامت الروح التي غرسها رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني سارية في جسم الدولة الموريتانية، وأظنها ستبقى لفترة ليست بالقصيرة.
توقفت هذه المرحلة من التشاور الآن، ولكنها قد تستأنف متى توافرت الإرادة والنية الصادقة، ونحن في الأغلبية لن نمل من تكرار فتح الباب، ولن يمل رئيسنا من سياسة الباب المفتوح. وسيكون كل شيء قابلا للتحقيق، في ظل هذه الإرادة وهذه الروح.
الساحة: شكرا لك
اماتي بنت حمادي: شكرا لكم