لا خلاف في أن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني قد أرسى جو الانفتاح والتشاور والحوار منذ إمساكه بمقاليد الأمور في البلاد، لكن السؤال المطروح دائما هو، هل استطاعت أذرع الحكم ترجمة انفتاح الرئيس والتقيد بمنهجه الذي انتهج للتعايش بين القمة والقاعدة وأسلوب حكم ذو مَيْسم خاص؛ وهل الذراع السياسية جاهزة لدخول معترك الحوار بنفس القدر الذي يمكن لرئيس توافقي بحجم الرئيس غزواني أن يعتمد عليها..؟
الجواب بدون حرج هو لا..! ولكن إسألني لماذا وسأرد بوضوح :
للأسف لم تستطع الذراع السياسية شق غبار الطموحات الرئاسية، والدخول بها الآن في معترك التفاوض هو رهان على براذين لا تصلح إلا لجر العجل وحمل الأسفار.
ولنقاش وتأسيس المحاججة حتى يتضح المقال بالمثال؛ دعوني أقول أنه منذ إعلان القطبين (الموالاة والمعارضة) نيتهما المشاركة في الحوار، ورغم أن منزلة الاتحاد من أجل الجمهورية في الموالاة هي نفس منزلة "تواصل" في المعارضة بجامع أن كل منهما يعد الأكثر تمثيلا في البرلمان في قطبه؛ إلا أن توزيع الممثلين بين الأحزاب في القطبين يكشف مدى عجز وانغلاق الحزب الحاكم على نفسه وعدم ملاحقته لسير الرئيس غزواني في منهج الانفتاح، واستئساده على أترابه في المولاة.
ففي نفس الوقت الذي اكتفى فيه تواصل بممثل واحد وترك البقية لأترابه، احتوى UPR على أغلبية ممثلي الموالاة ورمى الفُتاة لزملاءه ماولد حنقا وشعورا واسعا بالغبن والاستياء في صفوف الموالاة.
الغريب في الأمر أن "تواصل" في هذه المرحلة وهو مجرد حزب معارض استطاع تجسيد منهج الرئيس غزواني أكثر من الحزب الحاكم، فقد تجاوز الخلافات الداخلية وآثر أعضاء قطبه بما عجز ممثلو المرحلة عن تحقيقه داخل صفهم، وأخفقوا في تجسيده في مرحلة يُفترض أنهم ممثلها الشرعي.
إن الغوص في واقع الحزب الحاكم ومعرفة مايجري داخله سيعطينا صورة واضحة عن سبب الحالة المرضية التي يعيشها؛ فحين يغيب الرأي الآخر وتُحكم الأحزاب بمزاجية الشخص ومحسوبية القريب وإقصاء الغريب، سينخر المرض أجزاء الجسم الحزبي في وقت واحد وسيقضي عليه قبل التشخيص.
فالمزاجية المتحكمة التي اضطُر بها اتحادي آدرار للاستقالة بعد مغاضبة أشهر، هي نفس المزاجية التي كادت أن تكرر رعوناتها مع فيدرالي اترارزة بسبب تأخر 10 دقائق عن اجتماع، وهي نفسها التي اضطرت الوزيرة جيندا بال للمغاضبة ومقاطعة الأنشطة الحزبية إلى يومنا هذا، وهي نفسها التي استحوذ أصحابها على أغلب ممثلي الموالاة في الحوار، متسببين في حنق واستياء ربما يكون سببا في فشله.
حقا لم يحدث أن كان الحزب الحاكم في وضع أسوء من وضعه الحالي، ولم يبتلى حزب بقيادة أسوء مما ابتلي بها UPR؛ فالحزب المُقْدِم على حوار له مابعده، هو نفسه أحوج لحوار داخلي يمكن أن يعيد الأمل في لملمة الجزء المتبقي منه قبل التفكك والانهيار.
تصوروا رحمكم الله أن الحزب الأكثر مقاعد في البرلمان والأوسع انتشارا في البلاد، لاتوجد لديه أي رؤية سياسية ولا ثوابت ولا متغيرات، وأن قادته لا يتقنون فن التعامل مع المستجدات والنوازل السياسية، نظرا لغياب الرؤية وضيق الأفق، ولا يعرفون مالهم ولا ما عليهم.
ثم تصوروا أن الحزب المذكور في حقيقته ليس سوى عبارة عن هيكل هزيل متنافر الأجزاء، ضاع بريقه وتأثيره بين تغول تياب "عادل" ومهاجرة "راشدون" والصراع على فُتاة القصعة في غياب أي استراتيجية أو عمل من شأنه أن يشكل رافعة للعمل السياسي في عهد رئيس كان بالإمكان خدمة برامجه بأفضل مما كان.
وتصوروا أعزكم الله أن الحزب المفترض أنه الأبرز في البلاد لاتوجد لديه أي استراتيجية إعلامية، وأن جميع معالجاته الإعلامية آنية، وأن السبب في ذلك هو البحث عن آلية لصرف بنود مالية حينما تقتضي المصالح الشخصية ذلك.
وقد أظهر ما سُمي بالورشة التفكيرية لتحيين الرؤية الإعلامية للحزب المنظمة قبل أيام مدى غياب الرؤية لدى ثلة الهواة الذين يمسكون بزمام الحزب بنفس القدر الذي أظهر فيه حفل الإفطار بمقاطعة الرياض مدى الاستياء من أداء الحزب كمؤسسة سياسية.
إن عدوى الاستياء العارم الذي يعيشه الأفراد داخل الحزب قد تم نقلها بأمانة لزملائهم في صف الموالاة بشكل عام، بعد إقصائهم من ممثلي الأحزاب في الحوار ولا زالت رقعة الاستياء تمتد، وهذا مايشكل أكبر خطر على نتائج "التشاور المرتقب" ومن بعده النظام والفرصة المواتية للوطن.
الشيخ ولد المامي / إعلامي مهتم بالشأن السياسي