ذات ضحوة من ضحوات يثرب الخالدة؛ حكم سعد الأوس على بني قريظة بأن يقتل رجالهم وتسبى نساءهم؛ وحين اعترض أحد حلفائهم الآخرين على حكمه، قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم مامنعاه : أن سعدا حكم في بني قريظة بحكم الله.
لكن الاتحاد في الاسم لايعني حتمية الاتحاد في الصفات ولا في المميزات الشخصية؛ والأحكام التي يصدرها قادة الأنصار لاتمت بصلة لتلك التي يصدرها مناوئوهم، وأربعة عشر قرنا كفيلة بأن تقلب موازين كل شيء.
خلال مؤتمر الإندماج الذي نظمه السعد ول لوليد مساء أمس بمقر حزبه وغاب عنه "المُندمِج" أصدر ولد لوليد جملة من الأحكام لم تكن "سعدية" في عمومها، بل جانب سعد أصول إيراد الإبل فيها بشكل صارخ وموغل.
فقد غلب التهافت على عموم المؤتمر الذي غاب عنه "المندمج"، وخذل المنطق والحقيقة والموضوعية متحدثه، شأنه في ذلك شأن مكبرات الصوت التي عجز السعد أن يقنعها بإعلاء صوت ندائه الخافت والمتذبذب تحت تشويش جمهوره ومحادثاتهم الجانبية؛ وحتى "الميكانيكا" خذلت سعد ومندمجه الجديد؛ رغم أنها يجب أن تكون في صف "المندمج" إن خذلت السعد، لكن إذا حكم القضاء على امرء تخلت عنه جميع الأشياء؛ إنه حكم الطبيعة.
لم أكن أحسب السعد من هواة السياسة؛ بل كنت ألتمس جانبا من الحصافة في تصرفاته، لكن كمية التهافت التي أبان عنها بالأمس، وسيل التناقضات الذي رفع عقيرته به قضى على كل أمل كان لدي هناك.
فمن يصدق أن من يفاخر بعمر سياسي قارب سن الرشد؛ يمكن أن يصدر أحكاما موثقة عن شخص متهم لدى العدالة شكل سوسا نخر كل مقدرات البلاد، وكان هو نفسه قد أصدر في حقه أحكاما موثقة أيضا تناقض الأحكام الجديدة حرفيا، وفي نفس الوقت يفاخر أن نفس العدالة التي تتهم صاحبه ونفس القضاة حكموا ببراءته من تهم لفقها له مندمجه الجديد..؟!
أي تهافت هذا الذي ذهب إليه السعد حين أعلن أن من أسباب احتضانه لمندمجه الجديد؛ هي تثمين المقاومة التي كان يصفها هو نفسه بالأمس بقبائل البدو الاستعبادية التي تُرسخ لنظام اجتماعي يتبنى الاسترقاق ويعتز به.
لم تكن دماغ السعد "نظيفة" بالأمس حين قارن وضع الحريات في البلد بين الأمس واليوم، مع أنه بعد كيل الشتائم الموزع بعدالة بين كافة الطيف السياسي -حسب "نهج" مندمجه الجديد في أول خرجة له بعد انقلابه على الشرعية- ذهب إلى منزله معززا مكرما؛ فيما كانت السجون والمعتقلات هي مأواه الدائم بعد أي خرجة له أيام حكم مندمجه الجديد..!
ورغم انتقاده لوضعية حرية التعبير فقد امتنع السعد عن إجابة المداخلات الصحفية الثلاثة التي وجهت له لأن فحواها لم يوافق مزاجه المتشنج تمثيلا؛ بل اكتفى بالعرض المتهافت الذي لم يقنع صاحبه حتى.
ولعل أكثر ما لفت انتباهي في المؤتمر ولمست فيه بعض الوجاهة هو تصريح السعد أن (الصديق وقت الضيق) وتصريحه أن (لايسلم ابن حرة زميله) حتى ولو شكل الأمر تناقضا مع تصريحاته حول الحرية في البلاد.
وفي الخلاصة سألت أحد رفاق السعد عن تعليقه على الحلف الجديد فأجاب : ليس جديدا؛ بل ربما سبق العشرية، وكل الأحداث التي مرت خلال العشرية كانت مطبوخة ومنسقة بإحكام؛ لكن لكل فترة قاموسها ومهماتها وبنيتها الأساسية.
زينب بنت مولاي