إن أعز ما يملكه الموريتاني في هذه الحياة، هي حريته في التفكير والتعبير والترحال والمقام ورفضه لكل عائق يقيد تلك الحرية.. صفات اكتسبها من محيطه البيئي، حيث الصحاري الشاسعة والفضاء الرحب، وصونا لهذه الحرية، ظل يقارع الغزاة المستعمرين بشتى الوسائل، مما سرع برحيلهم، حيث لم يخلفوا عمرانا ولا مرافق ذات بال.
لكن شعبنا استطاع أن يشيد دولة على الجزء الذي كان تحت قبضة الإستعمار الفرنسي، في حين بقي الجزء الواقع تحت الإستعمار الإسباني يرزح تحت نير الإحتلال.. وهو ما دفع بالرئيس المؤسس، المختار ولد داداه رحمه الله إلى القول: " إن استقلالنا سيبقى ناقصا ما لم يتم لم شملنا مع إخوتنا الواقعين تحت الوصاية الإسبانية في الصحراء الغربية...".
إن ترابطنا وتلاحمنا مع إخوتنا في الصحراء، يجسده قول الشاعر:
" لم أغترب إن أبدا فكل سحابة زرقاء فيها كبرياء سحابــــــــــي
إن النجوم الساكنات هضابكم ذات النجوم الساكنات هضابــــــــي
واقع كرسته المطالبة الموريتانية في جميع المحافل الدولية بالتعجيل برحيل المحتل الإسباني، ورسخه تأسيسنا لمقاومة مسلحة في الشمال، استهدفت الاسبان وأرغمتهم على الخروج من أرضنا المحتلة.
تزامن هذا الجهد العسكري والدبلوماسي مع تواصل متعدد الجوانب مع إخوتنا في الصحراء، من أجل تجسيد وحدتنا التاريخية، إلا أنهم
- للأسف- فضلوا طريقا مغايرا.. وهو ما دفع بالدولة الموريتانية إلى الخروج من الميدان وتبني خيار الحياد الإيجابي ،
ورغم ذلك كله، فقد احترمت موريتانيا خيار إخوتنا في الصحراء لتقرير المصير، كما أننا في المقابل احترمنا خيار ومواقف المملكة المغربية الشقيقة، التي لا نكن لها أي عداء، واعتبرناها نازلة واقعة بين أخ لنا وابن عم، لذا طالبنا الطرفين بالبحث عن حل عادل، يرضي الجميع ويحافظ على استقرار مغربنا العربي الكبير.
لكن يبدو أن التطورات الأخيرة، جعلت بعض ساستنا يطالبون- للأسف- بتغيير الموقف الموريتاني الراسخ اتجاه الصراع الدائر في الصحراء الغربية، لا لشيء إلا لأن الولايات المتحدة الأمريكية اعترفت بمغربية الصحراء واعتبرتها جزءا من التراب المغربي.
وهنا لا بد أن نتساءل.. متى كان الموريتانيون يهرولون خلف أمريكا؟
أذكر هؤلاء الساسة بأن موريتانيا هي من أمهل السفير الأمريكي المعتد عندنا أربعا وعشرين ساعة لمغادرة البلاد، بعد العدوان الإسرائيلي الأمريكي على دول عربية واحتلال أراضيها بالقوة، سنة 1967..
كما وقفت بلادنا كذلك مع العراق ضد الغزو الأمريكي وخلال محطتيه الأولى والثانية..
ونفس الشيء بالنسبة لليبيا عند ما تعرضت لغزو من طرف تحالف غربي- عربي غير مقدس،
كما حافظت موريتانيا كذلك على علاقاتها الديبلوماسية مع سوريا، رغم الموقف الخليجي والغربي المناوئ والرافض لأي علاقة معها.
وهنا لا بد من طرح أسئلة أراها وجيهة على هؤلاء الساسة:
- إذا سلمنا جدلا باعتراف أمريكا بمغربية الصحراء.. من يضمن لنا أن لا نستيقظ يوما ما على اعتراف جديد لها بمغربية موريتانيا؟
- ألم تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل؟ - أليست هي من اعترف بالجولان أرضا إسرائيلية يحق للصهاينة ضمها إلى كيانهم المنبوذ؟
فهل يرضى أي عربي أومسلم باعتراف كهذا؟
إن سعى هؤلاء الساسة، ليس هو الأول من نوعه.. فقد سبقهم إليه آخرون أبهرتهم القصور وعظمت في أعينهم التي لم تألف من قبل سوى الصحاري الجرداء والخيم المتنقلة، لكن الموقف الصلب للشعب الموريتاني أفلس مسعاهم و خيب آمالهم ، ذلك أن الموريتانيين، لن يقبلوا أن يطأطئوا رؤوسهم لغير الله، فبقوا متمسكين بصفاتهم المتجذرة، والمتمثلة في الحرية والوفاء والإباء، متجسدا فيهم قول شاعرهم الكبير:
"نحن شعب قد صلبته المآسي سهرته الآلام والنكبــــــات
نسكن النار لا نبالي لظاهــــــــا زادنا العزم والاباء والثبات"
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت..
نواكشوط 25/12/2020
عالي ولد اعبيدي/ محاسب- قانوني