طالعت فى نهاية الأسبوع المنصرم بيانات واعلانات متعددة في المواقع الإعلامية وردت من بعض الفاعلين السياسيين الوطنيين ومن ناشطين حقوقيين وغيرهم في شبكات التواصل الاجتماعي وكلها تندد وتشجب وتطالب بالتحقيق فى مقتل مواطن على يد عنصر من إحدى وحدات الجيش المرابطة على ضفة النهر فى الحدود مع السينغال بولاية لبراكنة. وكأن الجيش جيش احتلال مسلط على رقاب المواطنين وليس الجيش الذي وقف و لا يزال لحماية المواطن في أقسي ظروف الحياة من برد قارس وشمس صيف ساطعة على طول حدود شاسعة ،همه الوحيد هو حماية المواطن والوطن والذود عن حوزته الترابية. إن مهمة الجيش النبيلة التي أسندت إليه والتي تربى عليها جعلته ذليلا على المواطنين عزيزا على أعدائهم. فهو يتلقى فى تدريبه القاعدي دروسا رفيعة فى مجال التربية الإسلامية والمدنية تحصنه من كل ما من شأنه أن يمس من مصلحة المواطن ووطنه.
يعتبر هذا التحامل على المؤسسة العسكرية في غير محله ولا يقبل من فاعلين سياسيين وحقوقيين بحجم من احتجوا علي الحادثة وجعلوا منها ورقة سياسية للتأثير علي مسيرة نظام حديث العهد و في مرحلة صعبة يتصارع فيها مع أزمة دولية لم ينج منها بلد علي وجه الأرض. ويلاحظ من خلال هذه الحملة الجهل أو التجاهل ببعض المعطيات التي سنحاول إبراز أهمها، بشكل موجز:
1 ـ أن البلد يخوض حربا ضروسا مع وباء فتك بالكثير من الدول التي تعد من البلدان المتقدمة بل إنها من تلك التي تصنف على المستوى الدولي بالدول العظمى: الصين، الولايات المتحدة الامريكية وروسيا ولا يزال لحد الساعة يفتك بها. مما يستدعي التلاحم ووحدة الصف. فذلك انجع سبيل لمواجهة الخطر الذي يداهم بلادنا بعيدا عن المزايدات حول حادث عرضي تعرفون قبل غيركم أنه ليس فعلا متعمد ولا يصدر من جهة لديها السلطة بل إنه حادث تسببت فيه الملابسات الحرجة التي وقع فيها وجاء من صديق صادق في نيته وحاسم في أفعاله و في ظروف استثنائية اتسمت بالجدية في حماية الوطن من وباء مستشر عن طريق مواجهة المتسللين القادمين من السنغال سواء كانوا مواطنين أو أجانب فالنتيجة واحدة هي نشر العدوى بين أفراد المجتمع. وفى مثل هذه الحالات يتطلب الأمر ترك الصراعات السياسية التي كثيرا ما لا تخدم الوطن وانما تنعش ظرفيا أصحابها وبالطبع سجلتم حضورا معتبرا منذ بداية الأزمة في هذا الاتجاه الصحيح قبل هذه الخرجة غير الموفقة وللأسف.
2 ـ إثارة الفتنة بنبش مواضيع حساسة عاشها البلد في فترة معينة ويعمل على تضميد جراحها وتوطيد الوحدة الوطنية في جميع تجلياتها بعيدا عن التفرقة التي تحاولون امتطاءها لحاجة في نفس يعقوب وليست لمصلحة من تتم مؤازرتهم والتقرب إليهم في مثل هذه الحالات. إن الدخول من هذه النافذة تشم فيه رائحة اللعب على أوتار التمييز العنصري والفئوي باعتبار العملية تستهدف أحد أفراد مجموعة معينة من المجتمع وكأن الجيش قتل هذا المواطن عمدا وعن قصد ولم تهتموا بحوادث مماثلة وقعت وتضررت منها مجموعات أخرى من الشعب سواء في تعقب جماعات الإرهاب أو عصابات التهريب أو بالخطأ. إذا كان الأمر حقا يعني الاهتمام بقضايا المواطن، بعيدا عن البحث عن مواطن الفتن وما يسببها.
3 ـ جهل الظروف النفسية التي يعيشها العسكري وهو يمارس مهمته سواء كان يرابط على حدود بلاده للدفاع عنها من أي عدو قد يحاول دخولها أو خلال تسييره لعمليات حراسة الثكنات و الدوريات الأمنية من داخل البلد. من المعلوم أن المفهوم الأمني تغير مع أحداث 11 سبتمبر 2001، بعد استهداف أكبر دولة في عقر دارها من طرف مجموعة افراد معدودة. عندئذ أصبح العسكري ورجل الأمن عموما يواجه عدوا إن لم يقال إنه افتراضيا فهو علي الأقل عدو مجهول شكلا ومكانا وزمانا. فمنذ أن استشرت في العالم ظاهرة الإرهاب وما يرافقها من شبكات الجريمة المنظمة، أصبح رجل الأمن لا يعرف أين يوجد عدوه: هل هو ذلك الأجنبي القادم من خارج البلاد للفتك به والمساس من أمن بلده أم هو إبن جلدته الذي يتعاون مع منظمات الإرهاب والتهريب الدولية لإلحاق الضرر ببلده. وليست عمليات المغيطي يونيو 2005 والغلاوية دجمبر 2007 وتورين اغسطس 2008 ضد دوريات عسكرية والمواجهات التي حصلت مع دورية من الشرطة ابريل 2008 في نواكشوط وغيرها من العمليات التي استهدفت الوطن ورجال أمنه إلا دليل ساطع على ذلك. وانطلاقا من هذا الوضع تكون الحالة النفسية للعسكري مضطربة باستمرار وخصوصا عندما يحمل بندقيته للحراسة أو القيام بدوريات. لأنه لا يعرف من أين توجه له الضربة القاضية ومتى. وبالتالي يكون بالدوام جاهزا للرد على كل حركة قد تشكل له تهديدا. فهو من أجل أن يؤمن البلد يترتب عليه تأمين نفسه ومجموعته. فالمثل يقول " فاقد الشيء لا يعطيه".
إخوتي الأعزاء كفوا عن سياسة الابتزاز فهي غير مجدية وعلمها المواطن الذي أعطاكم ثقته، حيث أدرك أنكم تتلاعبون بمصالحه فبدل التأسيس للقضايا التي تخدمه والوقوف أمام الحكومة ومسايرة نشاطها للكشف عن كل ما من شأنه المضرة بالمصالح العليا للمواطنين وللبلد، اصبحتم خلاف ذلك تهتمون بالقضايا التي تفرق وتخلق الأزمات داخل المجتمع للنيل من النظام الحاكم وهو في الحقيقة النيل من الوطن وليس نظامه. انتم لا تعرفون بشكل دقيق مستوى الوعي لدي الشعب الموريتاني، فهو شعب مثقف في عمقه الاجتماعي ويفرق بدقة بين المصالح العليا للبلاد وما من شأنه المساس بتلك المصالح. وبالتالي فكل البرامج التي توضع أمامه من طرف الطيف السياسي موالاة ومعارضة يأخذ منها ما يتناسب وقيمه الدينية السمحاء.
دامت موريتانيا وأهلها آمنة مستقرة ومزدهرة.
مختار سيدي محمد