ما قد يخسره التونسيون في معركة الإرهاب / المهدي مبروك

رسالة الخطأ

  • Notice: Undefined offset: 5 in user_node_load() (line 3724 of /home/alarabymr/public_html/modules/user/user.module).
  • Notice: Trying to get property 'name' of non-object in user_node_load() (line 3724 of /home/alarabymr/public_html/modules/user/user.module).
  • Notice: Undefined offset: 5 in user_node_load() (line 3725 of /home/alarabymr/public_html/modules/user/user.module).
  • Notice: Trying to get property 'picture' of non-object in user_node_load() (line 3725 of /home/alarabymr/public_html/modules/user/user.module).
  • Notice: Undefined offset: 5 in user_node_load() (line 3726 of /home/alarabymr/public_html/modules/user/user.module).
  • Notice: Trying to get property 'data' of non-object in user_node_load() (line 3726 of /home/alarabymr/public_html/modules/user/user.module).
ثلاثاء, 03/31/2015 - 10:52

لم تنته عملية باردو الإرهابية في تونس بعد، وإن مر عليها أكثر من أسبوع، فتداعياتها المحلية والدولية ما زالت تثير ردود أفعال مختلفة. دفن ضحاياها، ولكن ظلت مسائل عديدة تأبي التكفين.

ربما تستطيع تونس أن تمحو آثار تلك الصورة التي قد تظل طويلاً عالقة بذاكرة من نجوا من المجزرة، ومعهم جيل ناشئ من التونسيين، لم يروا مثل ذلك من قبل. الإرهاب ليس منا، هكذا كنا نردد بعض الشعارات التي ابتكرها الحس العام، ولكنه ها هو بيننا ومنا. وللأسف، يعمل بعض التونسيين والأجانب على ترسيخ تلك الصورة وتثبيتها إلى ما لا نهاية. وقد وقعت جرائد فرنسية محسوبة على اليسار في مثل هذا المحظور.

مؤكد أنه لم "تنته تونس" هذه العملية، كما ادعت صحيفة فرنسية، لكن الثابت أن التونسيين خسروا أشياء عديدة: ثورة سلمية يصر الإرهاب على تلويثها، بما يسكب من دماء الأبرياء، بلد هادئ يقدم نموذجا على حل ما استعصى من قضاياه بالحوار والتوافق. هناك أشياء أخرى، لا تقل قيمة عن خسران الأرواح البشرية: جملة القيم التي تحفظ الحياة أصلاً، وتجعل العيش المشترك ممكناً، وهو عيش لا يستقيم من دون الثقة المتبادلة بين الأفراد وفيما بينهم وبين الدولة. ستكون الحياة جحيماً "لو كل صيحة يحسبون عليهم". في العلوم الإنسانية والاجتماعية، يتم حاليا التركيز على مجتمع المخاطر، ولكن هذه المخاطر يتم تجاوزها بالثقة، وهي ليست مجرد خصلة أخلاقية، لكنها أيضا قيمة تعاقدية، غذّتها الأعراف والقوانين، وما تمنحه من ضمانات في كل أشكال التبادل، كما دعمتها، أيضاً، التقنيات الهائلة المتطورة. فحين نركب طائرة، على سبيل المثال، نستسلم الى حد كبير مطمئنين، لأننا نؤمن أن الطيار كفؤ، والطائرة خالية من الأعطاب، والمضيفين ليسوا لصوصاً أو قطاع طرق سماوية إلخ... الشك في كل تلك التفاصيل حالة من الهلوسة لا تيسر العيش المشترك وتجعل الحياة جحيماً. قد تحدث استثناءات، لكنها لا تفسد تلك القاعدة.

أفدح ما خسر التونسيون ثقتهم في أجهزة دولتهم. كانت رواية الدولة التونسية قبل الثورة في مثل هذه الأحداث (الغريبة 2002 وسليمان 2006) لا تصدقها الطبقة السياسية التي يصفها النظام السياسي، آنذاك، ولربما، لهذا السبب، "الصائدين في الماء العكر"، وكان منسوب الشك المرتفع يلازم، عادةً، تلقي تلك النخب مثل تلك الروايات. ولكن، خلنا مع الثورة أننا سنتجاوز مثل هذه الحالة المرضية في الأصل. ويبدو أن المنجز لم يكن من الصلابة ما به تصمد تلك القيمة، خصوصا وأن هناك سوابق ما زالت تغذي تلك الريبة، لعل أهمها ملفات الاغتيالات السياسية التي تشكك نخب المعارضة في سلامة مروياتها، فضلا عن نزاهة التعاطي معها أمنيا وقضائيا. قديماً، قيل الشك طريق إلى اليقين، غير أننا نرجو أن تتوفر كل الحجج والبراهين والقرائن ما يجعل الرواية "الرسمية لسلطة الفضاء" في هذا الملف، بالذات، يقيناً، يخفف من حدة الريبة الماحقة أحياناً.

مع عملية باردو الإرهابية، تجاوزت أزمة الثقة، هذه المرة، الرواية التي تقدمها، لتشمل نزاهة الأجهزة ومبدئيتها. يحدث أن يختلف الناس حول فعالية جهاز ما من أجهزة الدولة أو جاهزيته، لغياب المعدات ونقص الخبرة مثلاً. ولكن، سيكون الأمر لا يطاق، لو استدام الشك فيما ذكرنا. يلعب الإرهابيون، في أكثر من دولة، على تفاصيل صغيرة، لكنها ذات دلالة، من مثل استعمال أزياء الأجهزة وإطلاق الشائعات حول اختراقات للأجهزة، والهدف زرع الشك في تلك الأجهزة تدريجياً، لانهيار مرتقب لجدار الثقة القائم. من تلك الشقوق، يتسلل انعدام الثقة، ليتمكن من أدق تفاصيل خلايا النسج الاجتماعي. تخيلوا لحظة، ما سيكون عليه أمرنا، لو ينتابنا الشك المشوب بالرعب من أي عون أمن، يصادفنا في الطريق العام، لأن احتمال كونه إرهابياً وارد في مخيلتنا المرهقة والخائفة.

لا يعود أمر أزمة الثقة، المتنامية في اعتقادنا، إلى الإخفاق الذي قد يكون رافق عملية باردو، إذ كان يمكن لعدد الضحايا أن يكون أقل مما تم التصريح به، خصوصا وأن عدد المهاجمين لم يكن بالعدد الكبير، فقد يكون التسرع وعدم التنسيق وحالة الارتخاء التي كان عليها بعض الأجهزة سببا فيما تلك الحصيلة، على الرغم من أن وزير الداخلية، في مؤتمره الصحافي، يوم الخميس الفارط، يذهب خلاف ذلك، فالتدخل بتلك الكيفية، حسب رأيه، قد جنب حصول كارثة حقيقية.

"أي مكانة للنقابات الأمنية في مثل هذا المشوار المعقد والطويل؟"

الثابت أن تلك الشكوك التي فاضت بها أودية العالم الافتراضي وشبكاته كانت إحدى مبررات عقد الندوة تلك. فالإعلام الرسمي وتحليلات بعض الخبراء الذين لم نر لهم خبرة، ناهيك عن عنتريات المنسوبين إلى النقابات الأمنية، كانت متضاربة، متنكرة في أحيان عديدة، لأدنى قواعد الحرفية، فضلا عن المسؤولية والأخلاق المهنية. ذهب بعضهم إلى الحديث عن تخمة الحرية، وقد قالها بلهجة تونسية تثير التقزز.

في اعتقادنا، كان السياق مواتياً "لثورة الشك" تلك، خصوصا وقد سبق تلك العملية مناخ من التشنج الذي أبان عن اختراق واضح للجهاز الأمني، وما الوثائق "السرية" المسربة من وزارة الداخلية، المتعلقة بالأمن القومي، والتي يتباهى بعضهم بعرضها على الشاشات، فيما يشبه المزاد العلني، دليلاً على مناخ الريبة المتنامي.

إقالة رئيس الحكومة أكثر من عشرة من قيادات أمنية مركزية، في حركة لافتة للانتباه، فهمت على أنها تجاوز لوزير الداخلية نفسه، وعدم الرضا ربما على أدائه. لن تحل مشكل أزمة الثقة تلك، ذلك أن مداخل إعادة بنائها تقتضي بناء عقيدة الأمن الجمهوري الذي لا يكون فيه جهاز الأمن حارسا للنظام، وإنما لمواطنية المواطن وأمنه، هذا فضلا عن مهنيته العالية. هذان يشكلان، حسب رأينا، حجر الزاوية في أي محاولة، وما عدا ذلك، قد يكون من باب المسكنات، أو ردود الأفعال العاجلة التي لن تنفذ إلى العمق. أي مكانة للنقابات الأمنية في مثل هذا المشوار المعقد والطويل؟ إذا ما ظلت على هذا الحال من غياب روح المسؤولية والخفة المعيبة، فإنها ستكون عاملاً يزيد هدم ما تبقى من تلك الثقة، وهي، في الأصل، غضة وهشة، في سياقات التحولات الديمقراطية عامة.

 

إعلانات

 

إعلان