سبع وعشرون ساعة مدة الرحلة من بيروت الى هافانا مرورا بمحطة انتظار طويلة في موسكو . البلاد بشكلها وثقافتها وتاريخ شعبها تستحق المسافة وارهاق السفر. فكوبا بلد متفرد وبراءة الحياة هي العلامة الفارقة في الامكنة.
كوبا المزيج من الثورة والايدولوجيا مع النكهة الاتينية وموسيقى تدخل في كل تفاصيل الحياة وتتجاوز حالة الترفيه الى السياسية و الحزن . ففي كل ركن من اركان المدنية تجد الفرق الموسيقة الصغيرة التي تعزف على الات هي خليط من اوتار الجيتار الاسباني والايقاع الافريقي، ضمن لوحة متنوعة من اجناس البشر من الاصول الافريقية والاسبانية والهنود الحمر من التايبو والسبوني سكان البلاد الاصليين. تلك الجزيرة في الكاريبي عند مدخل خليج المكسيك ارتبطت بالنضال الثوري والانساني، وانتجت رموزا تاريخية للانسانية ((ارنستو تشي غيفارا)) رمز النضال الاممي الارجنيتني الجنسية الذي اعدمته وكالة الاستخبارات الامريكية في بولفيا بعد قيادته ثورة فشلت هناك . ورفيقه الكومندانتي ((فيديل كاسترو)) الذي زال الاب الروحي وملهم الشعب الكوبي والشخصية الاولى في كوبا رغم انه سلم السلطة الى شقيقه رؤوال الرئيس الحالي لكوبا.
اول ما ينتباك وانت تشق طريقك من مطار العاصمة البسيط والصغير الى قلب المدينة هو الشعور ان الزمن متوقف هنا. لا وجود للوحات ضوئية او اعلانات تجارية . بينما يلفتك منظر السيارات القديمة بعضها يعود الى الخمسينيات من القرن الماضي. تلك المركبات التي يصنع لها متحاف كاشياء نادرة في البلدان الاخرى . انا شخصيا تذكرت وانا استقل واحدة من تلك السيارات الافلام العربية بالابيض والاسود .
اما خدمة الاننرنيت فلم يكن لها اي وجود قبل عدة اشهر حيث تقتصر الان على بعض الفنادق الكبيرة في العاصمة فقط . وما زالت ضعيفة وكلفتها عالية تساوي 5 دولارات للساعة والواحدة ، وهذا كثير قياسا بدخل الفرد بكوبا . لا يوجد اي انتشار لاستخدام الهواتف الذكية او استخدام لشبكة الانترنيت . ويقتصر مشاهدة الكوبيين على المجطة التلفزيونية الكوبية الرسمية وبعض القوات اللاتينية المجاورة اذ لا يوجد في بيوت الكوبيين اجهزة استقبال تلفزيونية فضائية لانها ممنوعه ويتقتصر استخدامها على السفارات والبعثات الدبلوماسية.
السبب في هذا النمط الحياتي للكوبيين وهذا التفرد في الحالة الكوبية ناتج عن الحصار الامريكي الشامل لكوبا منذ العام 1963 حتى 20 من يوليو 2015 حيث عادة العلاقات بين البلدين بعد اثنين خمسين عاما.
بحلول عام 1963، كانت كوبا تتجه نحو نظام شيوعي كامل على غرار الاتحاد السوفياتي. مما دفع الولايات المتحدة لفرض حظر دبلوماسي وتجاري شامل على كوبا، وبدأت عملية النمس إحدى برامج الاستخبارات الأمريكية السرية.
سبق ذلك فشل عملية غزو خليج الخنازير عام 1961 التي حاولت إسقاط الحكومة الكوبية من خلال القوة التي دربتها الولايات المتحدة من المنفيين الكوبيين.
يتذكر الكوبيون اليوم السنوات العجاف التي جاعوا فيها، ويشيرون اليك باصابعهم كلما مررت من ساحة الثورة وسط هافانا بالقول هنا كنا نزحف كل بضعة ايام لنسمع الى خطاب الكومندانتي فيديل وهو يشد ازر الشعب ويحثه على الصمود وتحمل الجوع كي لا نركع لاعتى انظمة الظلم في العالم.
في هافانا لازلت رائحة الثورة وتحدي الهيمنة الامريكية حاضرة و لازالت صور تشي غيفارا تتصدر كل الامكنة وتطبع على معظم المنتوجات ، بينما لا تجد صورة واحدة لفيديل كاسترو ومرد ذلك انه حسب الثقافة الكوبية لا توضع صور الاحياء حتى لو كانوا رموزا . تولي الدولة الكوبية اهمية كبرى للطلاب الفلسطينيين الذين يقصدون البلاد لدراسة الطب ويتمتعون بامتيازات لا يتفوق فيها عليهم سوى طلاب الصحراء الغربية من ((البوليساريو)) والذين يقدر عددهم ب2000 طالب وهي دراسة مجانية بالكامل
لكن البلاد اليوم ليست كسابق عهدها، هذا العام تشهد قطاعات كبيرة في كوبا تطورا ملحوظا. خاصة قطاع الاقتصاد والبناء ، ومع عودة العلاقات الامريكية الكوبية خلال الأشهر الأخيرة خففت الإدارة الأمريكية التقييدات التجارية بين البلدين وحلت مشكلة تمويل قسم رعاية المصالح الكوبية في واشنطن (جهة تمثل مصالح هافانا في الولايات المتحدة حاليا)، بالإضافة إلى شطب كوبا من قائمة الدول الممولة للإرهاب. وكانت هذه المسائل شروطا طرحها الجانب الكوبي لتطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة. وعلى اثر ذلك تدفق الاف السياح الى البلاد. شارة ذلك انك لاتجد غرفة في اي من فنادق العاصمة. فكل الفنادق شغلها السياح القادمون للاطلاع على بلاد يجهلونها .
تجد اليوم في هافانا العلم الامريكي بالاسواق . وتجد تحسنا في خدمة الاتصالات. وكان البلاد كلها على موعد مع تحول كبير قادم. قد نعود الى كوبا الثورة والموسيقي.. وقبعات الكومدانتي وصور تشي غيفارا والسيارات الاثرية والناس الذين يجلسون مع بعضهم يتحدثون في المقاهي دون ان يكون بايدهم هواتف ذكية ينظرون اليها طوال الوقت كما يحدث في بلداننا .. قد نعود العام المقبل فلانجد كل هذا .
كمال خلف
